فصل: المذهب الرابع أن يفتتح العهد بقوله أما بعد فالحمد لله أو أما بعد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


 المذهب الرابع أن يفتتح العهد بقوله أما بعد فالحمد لله أو أما بعد

فإن أمير المؤمنين أو أما بعد فإن كذا ونحو ذلك ويأتي بما يناسب من براعة الاستهلال وحال المتولي والمولي وما يجري مجرى ذلك مما يسنح للكاتب ذكره مما يناسب الحال ويأتي من الوصايا بما يناسب المقام‏:‏ إما بلفظ الغيبة أو بلفظ الخطاب كما في غيره من المذاهب السابقة وهي طريقة اقترحها الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر أنشأ عليها عهداً في معارضة المكتوب للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب من ديوان الخلافة ببغداد الآتي ذكره في المذهب الخامس وهذه نسخته‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين يبدأ بحمد الله الذي يكون لكل خطبة قياداً ولكل أمر مهاداً ويستزيده من نعمه التي جعلت التقوى له زاداً وحملته عبء الخلافة فلم يضعف عنه طوقاً ولم يأل فيه اجتهاداً وصغرت لديه أمر الدنيا فما تسورت له محراباً ولا عرضت عليه جياداً وحققت فيه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ‏"‏ ثم يصلي على من أنزلت الملائكة لنصره إمداداً وأسري به إلى السماء حتى ارتقى سبعاً شداداً وتجلى له ربه فلم يزغ منه بصراً ولا أكذب فؤاداً ثم من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقاً وأعواداً وورثت النور المبين تلاداً ووصفت بأنها أحد الثقلين هدايةً وإرشاداً وخصوصاً عمه العباس المدعو له بأن يحفظ نفساً وأولاداً وأن تبقى كلمة الخلافة فيهم خالدةً لا تخاف دركاً ولا تخشى نفاداً‏.‏

وإذا استوفى القلم مداده من هذه الحمدلة وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفاً لقرطاسه واستدام سجوده على صفحته حتى لم يكد يرفع من راسه وليس ذلك إلا لإفاضته في وصف المناقب التي كثرت فحسن لها مقام الإكثار واشتبه التطويل فيها بالاختصار وهي التي لا يفتقر واصفها إلى القول المعاد ولا يستوعر سلوك أطوادها ومن العجب وجود السهل في سلوك الأطواد وتلك مناقبك أيها الملك الناصر الأجل السيد الكبير العالم العادل المجاهد المرابط صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب والديوان العزيز يتلوها عليك تحدثاً بشكرك ويباهي بك أولياءه تنويهاً بذكرك ويقول‏:‏ أنت الذي تستكفى فتكون للدولة سهمها الصائب وشهابها الثاقب وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب وما ضرها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغائب فاشكر إذاً مساعيك التي أهلتك لما أهلتك وفضلتك على الأولياء بما فضلتك ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار وفرقٌ بين من أمد بقلبه ومن أمد بيده في درحات الإمداد وما جعل الله القاعدين كالذين قالوا ‏"‏ لو أمرتنا لضربنا أكبادها إلى برك الغماد ‏"‏ وقد كفاك من المساعي أنك كفيت الخلافة أمر منازعيها فطمست على الدعوة الكاذبة التي كانت تدعيها ولقد مضى عليها زمنٌ ومحراب حقها محفوف من الباطل بمحرابين ورأت ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السوارين اللذين أولهما كذابين فبمصر منهما واحدٌ تاه بمجرى أنهارها من تحته ودعا الناس إلى عبادة طاغوته وجبته ولعب بالدين حتى لم يدر يوم جمعته من يوم أحده ولا يوم سبته وأعانه على ذلك قومٌ رمى الله بصائرهم بالعمى والصمم واتخذوه صنماً بينهم ولم تكن الضلالة هناك إلا بعجل أو صنم فقمت أنت في وجه باطله حتى قعد وجعلت في جيده حبلاً من مسد وقلت ليده‏:‏ تبت فأصبح وهو لا يسعى بقدم ولا يبطش بيد وكذلك فعلت بالآخر الذي نجمت باليمين ناجمته وسامت فيه سائمته فوضع بيته موضع الكعبة اليمانية وقال‏:‏ هذا ذو الخلصة الثانية فأي مقاميك يعترف الإسلام بسبقه أم أيهما يقوم بأداء حقه وهاهنا فليصبح القلم للسيف من الحساد ولتقصر مكانته عن مكانته وقد كان له من الأنداد ولم يحظ بهذه المزية إلا انه أصبح لك صاحباً وفخر بك حتى طال فخراً كما عز بك جانباً وقضى بولايتك فكان بها قاضياً لما كان حده قاضباً‏.‏

وقد قلدك أمير المؤمنين البلاد المصرية واليمنية غورا ونجداً وما اشتملت عليه رعيةً وجنداً وما انتهت إليه أطرافها براً وبحراً وما يستنقذ من مجاوريها مسالمةً وقهراً وأضاف إليها بلاد الشام وما تحتوي عليه من المدن الممدنة والمراكز المحصنة مستثنياً منها ما هو بيد نور الدين إسماعيل بن نور الدين محمود رحمه الله‏:‏ وهو حلب وأعمالها فقد مضى أبوه على آثار في الإسلام ترفع ذكره في الذاكرين وتخلفه في عقبه في الغابرين وولده هذا قد هذبته الفطرة في القول والعمل وليست هذه الربوة إلا من ذلك الجبل فليكن له منك جارٌ يدنو منه وداداً كما دنا أرضاً ويصبح وهو له كالبنيان يشد بعضه بعضاً والذي قدمناه من الثناء عليك ربما تجاوز بك درجة الاقتصاد وألفتك عن فضيلة الازدياد فإياك أن تنظر إلى سعيك نظر الإعجاب وتقول‏:‏ هذه بلادٌ افتتحها بعد أن أضرب عنها كثيرٌ من الأضراب ولكن اعلم أن الأرض لله ولرسوله ثم لخليفته من بعده ولا منة للعبد بإسلامه بل المنة لله بهداية عبده وكم سلف قبلك ممن لو رام ما رمته لدنا شاسعه وأجاب مانعه لكن ذخره الله لك لتحظى في الآخرة بمفازه وفي الدنيا برقم طرازه فألق بيدك عند هذا القول إلقاء التسليم وقل‏:‏ ‏"‏ لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ‏"‏‏.‏

وقد قرن تقليدك هذا بخلعة تكون لك في الاسم شعاراً وفي الرسم فخاراً وتناسب محل قلبك وبصرك وخير ملابس الأولياء ما ناسب قلوباً وأبصاراً ومن جملتها طوقٌ يوضع في عنقك موضع العهد والميثاق ويشير إليك بأن الإنعام قد أطاف بك إطافة الأطواق بالأعناق ثم إنك خوطبت بالملك وذلك خطابٌ يقضي لصدرك بالانشراح ولأملك بالانفساح وتؤمر معه بمد يدك إلى العلياء لا بضمها إلى الجناح وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السيادة وهي التي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال‏:‏ إنها الحسنى وزيادة فإذا صارت إليك فانصب لها يوماً يكون في الأيام كريم الأنساب واجعله لها عيداً وقل‏:‏ هذا عيد التقليد والخلعة والخطاب هذا ولك عند أمير المؤمنين مكانةٌ تجعلك لديه حاضراً وأنت ناءٍ عن الحضور وتظن أن تكون مشتركةً بينك وبين غيرك والضنة من شيم الغيور وهذه المكانة قد عرفتك نفسها وما كنت تعرفها وما نقول إلا أنها لك صاحبةٌ وأنت يوسفها فاحرسها عليك حراسةً تقضي بتقديمها واعمل لها فإن الأعمال بخواتيمها واعلم أنك قد تقلدت أمراً يفتن به تقي الحلوم ولا ينفك صاحبه عن عهدة الملوم وكثيراً ما ترى حسناته يوم القيامة وهي مقتسمةٌ بأيدي الخصوم ولا ينجو من ذلك إلا من أخذ أهبة الحذار وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار وعلم أن الولاية ميزانٌ إحدى كفتيه في الجنة والأخرى في النار‏.‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا أبا ذرٍ إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ‏"‏‏.‏

فانظر إلى هذا القول النبوي نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال ومثل الدنيا وقد سيقت إليك بحذافيرها أليس مصيرها إلى زوال‏.‏

والسعيد من إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح لا أرب الجسوم واتخذ منها وهي السم دواءً وقد تتخذ الأدوية من السموم وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح وهو ‏"‏ كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح ‏"‏ و الله تعالى يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تبعاتها التي لابستهم ولابسوها وأحصاها الله عليهم ونسوها ولك أنت من هذا الدعاء حظٌ على قدر محلك من العناية التي جذبت بضعك ومخلك من الولاية التي بسطت من درعك‏.‏

فخذ هذا الأمر الذي تقلدته أخذ من لم يتعقبه بالنسيان وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان‏.‏

وملاك ذلك كله في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب وقدر يوماً منه بعبادة ستين عاماً في الحساب ولم يأمر به آمرٌ إلا زيد قوةً في أمره وتحصن به من عدوه ومن دهره ثم يجاء به يوم القيامة وفي يده كتابا أمان ويجلس على منبر من نور على يمين الرحمن ومع هذا فإن مركبه صعبٌ لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه وغلبت لمة ملكه على لمة شيطانه ومن أوكد فروضه أن يمحي السنن السيئة التي طالت مدد أيامها ويئس الرعايا من رفع ظلماتها فلم يجعلوا أمداً لانحسار ظلامها وتلك هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة ولا غنى للأيدي الغنية إذا كانت ذات نفوس فقيرة وكلما زيدت الأموال الحاصلة منها قدراً زادها الله محقاً وقد استمرت عليها العوائد حتى ألحقها الظالمون بالحقوق الواجبة فسموها حقاً ولولا أن صاحبها أعظم الناس جرماً لما أغلظ في عقابه ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه وهل أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصماً ويصبح وهو مطالبٌ منهم بما يعلم وبما لم يحط به علماً‏.‏

وأنت مأمورٌ بأن تأتي هذه الظلامات فتنحي عل إبطالها وتلحق أسماءها في المحو بأفعالها حتى لا يبقى لها في العيان صور منظورة ولا في الألسنة أحاديث مذكورة فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن الماضي سنة سوء سنتها يداه وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقاً مسلوكاً فجرى على مداه فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من لم يضق به ذرعاً ونظر إلى الحياة الدنيا بعينه فرآها في الآخرة متاعاً واحمد الله على أن قيض لك إمام هدىً يقف بك على هداك ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطرافٍ متباعدة وتفتقر في سياستها إلى أيدٍ مساعدة وبهذا تكثر فيها قضاة الأحكام وأولوا تدبيرات السيوف والأقلام وكلٌ من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار ويسلط عليه شاهدا عدل من أمانة الدرهم والدينار فما أضل الناس شيءٌ كحب المال الذي فورقت من أجله الأديان وهجرت بسببه الأولاد والأخوان وكثيراً ما يرى الرجل الصائم القائم وهو عابدٌ له عبادة الأوثان فإذا استعنت بأحد منهم على شيءٍ من أمرك فاضرب عليه بالأرصاد ولا ترض بما عرفته من مبدإ حاله فإن الأحوال تتنقل تنقل الأجساد وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالربيع ابن زياد وكذلك فأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم أن يأمروا بالمعروف مواظبين وينهوا عن المنكر محاسبين ويعلموا أن ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين وليبدأوا أولاً بأنفسهم فيعدلوا بها عن هواها ويأمروها بما يأمرون به من سواها ولا يكونوا ممن هدى إلى طريق البر وهو عنه حائد وانتصب لطب المرضى وهو محتاجٌ إلى طبيبٍ وعائد فما تنزل بركات السماء إلا على من خاف مقام ربه وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم وهم لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كل قومٍ إلا بمصباحهم‏.‏

ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخواناً في الاصطحاب وأعواناً في توزع الحمل الذي يثقل على الرقاب فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميراً وأولى الناس باستعمال الرفق من كان فضل الله عليه كبيراً وليست الولاية لمن يستجد بها كثرة اللفيف ويتولاها بالوطء العنيف ولكنها لمن يمال على جوانبه ويؤكل من أطايبه ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر وإذا ألحف في سؤاله لم يلحق الإلحاف بخلق الضجر وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر فلذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين والذي يدعى بالحفيظ العليم وبالقوي الأمين ومن سعادة المرء أن يكون ولاته متأدبين بآدابه وجارين على نهج صوابه وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانت حسناته مثبتةً في كتابه‏.‏

وبعد هذه الوصية فإن هاهنا حسنةً هي للحسنات كالأم الولود ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجنود وتيقظت لنصره والعيون رقود وهي التي تسبغ لها الآلاء ولا يتخطاها البلاء ولأمير المؤمنين بها عنايةٌ تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه والرغبة في المغفرة لما تقدم وتأخر من ذنبه وتلك هي الصدقة التي فضل الله بعض عباده بمزية إفضالها وجعلها سبباً إلى التعويض عنها بعشر أمثالها‏.‏

وهو يأمرك أن تتفقد أحوال الفقراء الذين قدرت عليم مادة الأرزاق وألبسهم التعفف ثوب الغنى وهم في ضيقٍ من الإملاق فأولئك أولياء الله الذين مستهم الضراء فصبروا وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذ نظروا و ينبغي أن يهيء لهم من أرهم مرفقاً ويضرب بينهم وبين الفقر موبقاً‏.‏

وما أطلنا لك القول في هذه الوصية إلا إعلاماً من المهم الذي يستقبل ولا يستدبر ويستكثر منه ولا يستكثر وهذا يعد من جهاد النفس في بذل المال ويتلوه جهاد العدو الكافر في مواقف القتال و أمير المؤمنين يعرفك من ثوابه ما تجعل السيف في ملازمته أخا وتسخو بنفسك إن كان أحدٌ بنفسه سخا ومن صفاته أنه العمل المحبو بفضل الكرامة الذي ينمي أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة وبه تمتحن طاعة الخالق على المخلوق ولولا فضله لما كان محسوباً بشطر الإيمان ولما جعل لله الجنة لها ثمناً وليست لغيره من الأثمان وقد علمت أن العدو هو جارك الأدنى والذي يبلغك وتبلغه عيناً وأذنا ولا يكون للإسلام نعم الجار حتى تكون له بئس الجار ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار و أمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاه مكافحاً أو تطرق أرضه مماسياً أو مصابحاً بل يريد أن تقصد البلاد التي في يده قصد المستنقذ لا قصد المغير وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعدٍ في بني قريظة والنضير وعلى الخصوص البيت المقدس فإنه تلاد الإسلام القديم وأخو البيت الحرام في شرف التعظيم والذي توجهت إليه الوجوه من قبل السجود والتسليم وقد أصبح وهو يشكو طول المدة في أسر رقبته وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته فانهض إليه نهضةً توغل في قرحه وتبدل صعب قياده بسمحه وإن كان عام حديبية فأتبعه بعام فتحه وهذه الاستزادة إنما تكون بعد سداد ما في اليد من ثغرٍ كان مهملاً فحميت موارده أو مستهدماً فرفعت قواعده ومن أهمها ما كان حاضر البحر فإنه عورةٌ مكشوفة وخطة مخوفة والعدو قريبٌ منه على بعده وكثيراً ما يأتي فجأةً حتى يسبق برقه برعده فينبغي أن ترتب بهذه الثغور رابطةً تكثر شجعانها وتقل أقرانها ويكون قتالها لأن تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها و حينئذ يصبح كلٌ منها وله من الرجال أسوار ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار ومع هذا لا بد من أسطول يكثر عدده ويقوى مدده فإنه العدة التي تستعين بها في كشف الغماء والاستكثار من سبايا العبيد والإماء وجيشه أخو الجيش السليماني‏:‏ فذاك يسير على متن الريح وهذا على متن الماء ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار وتساوت أقدار خلقها على اختلاف مدة الأعمار وإذا أشرعت قيل جبالٌ متلفعة بقطع من الغيوم وإذا نظر إلى أشكالها قيل‏:‏ إنها أهلة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالى في جيادها ويستكثر من قيادها وليأمر عليها أميرٌ يلقى البحر بمثله من سعة صدره ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها ولكن قتلها بخبره وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه وزحمتها مناكبه وممن يذل الصعب إذا هو ساسه وإن سيس لان جانبه وهذا الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هزةً بالرياسة وإن كان في الساقة ففي الساقة أو في الحراسة ففي الحراسة ولقد أفلحت عصابةٌ اعتصبت من ورائه وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنصر من رائه‏.‏

واعلم أنه قد أخل من الجهاد بركن يقدح في عمله وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أن صدق النية يأتي في أوله وذلك هو قسم الغنائم فإن الأيدي قد تداولته بالإجحاف وخلصت جهادها في بغلوها فلم ترجع بالكفاف والله قد جعل الظلم في تعدي حدوده المحدودة وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا شر زمانٍ وناسه شر ناس ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه ثم نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر على المنصوص من حكمه وتبريء ذمتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية والشامية ممن يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غداً أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصةٍ وعذاباً أليماً فتصفح ما سطرناه لك في هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات بل آياتٌ محكمات وتحبب إلى الله و إلى أمير المؤمنين باقتفاء كتابها وابن لك منها مجداً يبقى في عقبك إذا أصيبت البيوت في أعقابها وهذا التقليد ينطق عليك بأنه لم يأل في الوصايا التي أوصاها وأنه لم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ثم إنه قد ختم بدعواتٍ دعا بها أمير المؤمنين عند ختامه وسأل فيها خيرة الله التي تتنزل من كل أمير بمنزلة نظامه ثم قال‏:‏ اللهم إني أشهدك على من قلدته شهادةً تكون عليه رقيبه وله حسيبه فإني لم آمره إلا بأوامر الحق التي فيها موعظة ٌوذكرى وهي لمن اتبعها هدىً ورحمةٌ وبشرى فإذا أخذ بها فلج بحجته يوم يسأل عن الحجج ولم يختلج دون رسول الله عن الحوض في جملة من يختلج وقيل له‏:‏ لا حرج عليك ولا إثم إذ نجوت من ورطات الإثم والحرج والسلام‏.‏

المذهب الخامس أن يفتتح العهد بإن أولى ما كان كذا ونحوه وهي طريقة غريبةٌ كتب عليها عهد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالديار المصرية من ديوان الإنشاء ببغداد‏.‏

وهو الذي عارضه الوزير ضياء الدين بن الأثير في العهد المتقدم ذكره في المذهب الرابع‏.‏

وهذه نسخته‏.‏

إن أولى من جادت رباعه سحب الاصطناع وخص من الاصطفاء والاجتباء بالصفايا و المرابع من ترسم انتهاج الجدد القويم والطريق الواضح المستقيم واعتلق من الولاء بأوثق عصمه وحباله والفناء الذي يهتدي بأنواره في متصرفاته وأعماله والتحلي بجميل الذكر في سيرته وخلوص الاعتناء بأمور رعيته وكان راغباً في اقتناء حميد الخلال مجتهداً في طاعة الله بما يرضيه من العدل الممتد الظلال عاملاً فيما يناط به بما يتضوع نشر خبره ويجتنى بحسن صنعه يانع ثمره باذلاً وسعه في الصلاح مؤذنةً مساعيه بالفوز القداح‏.‏

ولما كان الملك الأجل السيد صلاح الدين ناصر الإسلام عماد الدولة جمال الملك فخر الملة صفي الخلافة تاج الملوك والسلاطين قامع الكفرة والمشركين قاهر الخوارج والمتمردين عز المجاهدين ألب غازي بك بن يوسف بن أيوب أدام الله علوه على هذه السجايا مقبلاً وبصفاتها الكاملة مشتملاً مؤثراً تضاعف المأثرات مثابراً على ما تزكو به الأعمال الصالحات متحلياً بالمحامد الرائقة مستبداً بالمناقب التي هي لجميل أفعاله موافقةٌ مطابقة محصلاً من رضى الله تعالى ما يؤثره ويرومه من طاعة الدار العزيزة لا زالت مشيدة البناء سابغة النعماء دائمة الاستبشار عزيزة الأنصار من استمرار الظفر ما يستدميه اقتضت الآراء الشريفة لا زال التوفيق قرينها والتأييد مظافرها ومعينها إمضاء تصرفه وإنفاذ حكمه في بلاد مصر وأعمالها والصعيد الأعلى والإسكندرية وما يفتحه من بلاد الغرب والساحل وبلاد اليمن وما افتتحه منها ويستخلصه بعد من ولايتها والتعويل في هذه الولايات عليه واستنقاذ ما استولى عليه الكفار من البلاد وإعزاز كل من أذلوه واضطهدوه من العباد‏:‏ لتعود الثغور بيمن نقيبته ضاحكة المباسم وبإصابة رأيه قائمة المواسم‏.‏

أمره بادئاً بتقوى الله التي هي الجنة الواقية والذخيرة الباقية والعصمة الكافية والزاد إذا أنفض وفد الآخرة وأرملوا والعتاد النافع إذا وجدوا شاهداً لهم وعليهم ما عملوا‏:‏ فإنها العلم المنصوب للرشد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد ‏"‏‏.‏

وأمره أن يتخذ كتاب لله سبحانه العلم الذي به يقتدي وبأنواره إلى حدود الصواب يهتدي ويستمع لزواجره ومواعظه ويعتبر بتخويفه وملاحظه ويصغي إليه بسمعه وقلبه وجوارحه ولبه ويعمل بأوامره المحكمة ويقف عند نواهيه المبرمة ويتدبر ما حوته آياته من الوعد والوعيد والزجر والتهديد قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وإنه لكتابٌ عزيزٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد ‏"‏‏.‏

وأمره أن يكون على صلاته محافظاً ولنفسه عن الإخلال والتقصير في أداء فرضها واعظاً فيغتنم الاستعداد أمام أوقاتها للأداء ويحترز من فواتها والحاجة إلى القضاء موفياً حقها من الركوع والسجود على الوصف الواجب المحدود مخلصاً سره عند الدخول فيها وناهياً نفسه عما يصدها بالأفكار ويلهيها مجتهداً في نهي الفكر والوسواس عن قلبه منتصباً في إخلاص العبادة لربه‏:‏ ليغدو بوصف الأبرار منعوتاً قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ‏"‏‏.‏

وأمره بقصد المساجد الجامعة في أيام الجمع امتثالاً لأمر الله المتبع بعزيمةٍ في الخير صادقة ونية للعبادة موافقة وفي الأعياد إلى المصليات المصحرة المجملة بالمنابر الحالية التي هي عن الأدناس نائية فإنها من مواضع العبادة ومواطنها ومظان تلاوة القرآن المأمور بحفظ آدابها وسننها فقد وصف الله تعالى من وفقه لتجميل بيوته بالعمارة بما أوضح فيه الإشارة وشرفه بوضع سمة الإيمان عليه بالإكرام الفاخر فقال‏:‏ ‏"‏ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ‏"‏‏:‏ فليقم الدعوة الهادية على المنابر على عادة من تقدمه ومنتهياً فيها إلى أحسن ما عهده وعلمه‏.‏

وأمره بلزوم نزاهة الحرمات واجتناب المحرمات والتحلي من العفاف والورع بأجل القلائد الرائقة والتقمص بملابس التقوى التي هي بأمثاله لائقة وسلوك مناهج الصلاح الذي يجمل به فعله ويصفو له عله ونهله وأن يمنع نفسه من الغضب ويردها عما تأمر به من سوء المكتسب ويأخذها بآداب الله سبحانه في نهيها عن الهوى وحملها على التقوى وردعها عن التورط في المهاوي والشبه وكل أمرٍ يلتبس فيه الحق ويشتبه ويلزمها الأخذ بالعفو والصفح والتأمل لمكان الأعمال فيه واللمح قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ‏"‏‏.‏

وأمره بإحسان السيرة في الرعايا بتلك البلاد واختصاصهم بالصون الرائح الغاد ونشر جناح الرعاية على البعيد منهم والقريب وإحلال كلٍ منهم محله على القاعدة والترتيب وإشاعة المعدلة فيهم وإسهام دانيهم من وافر ملاحظته وقاصيهم وأن يحمي سرحهم من كل داعر ويذود عنهم كل مواربٍ بالفساد ومظاهره حتى تصفو لهم من الأمن الشرائع وتضفو عليهم من بركة ولايته المدارع وتستنير بضوء العدل منهم المطالع ويحترم أكابرهم ويحنو على أصاغرهم ويشملهم بكنفه ودرعه وينتهي في مصالحهم إلى غاية وسعه ولا يألوهم في النصح جهداً ولا يخلف لهم في الخير وعداً ويشاورهم في أمره فإن المشورة داعيةٌ إلى الفلاح ومفتاح باب الصلاح قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ‏"‏‏.‏

وأمره بإظهار العدل في الرعية التي تضمها جميع الأكناف والأطراف والتحلي من النصفة بأكمل الأوصاف وحمل كافتهم على أقوم جدد وعصيان الهوى في تقويم كل أود والمساواة بين الفاضل والمفضول في الحق إذا ظهر صدق دليله والاشتمال عليهم بالأمن الذي يعذب لهم برد مقيله وكشف ظلامة من انبسطت إلى تحيفه الأيدي والأطماع وأعجزته النصرة لنفسه والدفاع وتصفح أحوالهم بعينٍ لا ترنو إلى هوى يميل بها عن الواجب وسمع لا يصغى إلى مقالة مائنٍ ولا كاذب ولا يغفل عن مصلحةٍ تعود إليهم ويرجع نفعها عليهم ولاعن كشف ظلامات بعضهم من بعض وردهم إلى الحق في كل رفع من أحوالهم وخفض فلا يرى إلا بالحق عاملاً وللأمور على سنن الشريعة حاملاً مجتنباً إغفال مصالحهم وإهمالها وحارساً نظامها على تتابع الأيام واتصالها‏:‏ ليكون ذلك إلى وفور الأجر داعياً وبحسن الأحدوثة قاضياً مقتدياً بما نطق به القرآن‏:‏ ‏"‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ‏"‏‏.‏

وأمره أن يأمر بالمعروف ويقيم مناره وينهى عن المنكر ويمحو آثاره فلا يترك ممكناً من إظهار الحق وإعلانه وقمع الباطل وإخماد نيرانه ويعتمد مساعدة كل مرشد إلى الطريق الأقصد وناهٍ عن التظاهر بالمحظور في كل مشهد فإنه تضحي معونته مشاركةً في إحراز المثوبة ومساهمة ومساومةً في اقتناء الأجر ومقاسمة وأن يوعز بإزالة مظان الريب و الفساد في الداني من الأعمال والقاصي فإنها مواطن الشيطان وأماكن المعاصي وأن يشد على أيدي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويعينهم على ذلك بما يطيب ذكره في كل مشهد ومحضر ويجتهد في إزالة كل محظور ومنكر مقدمٍ في الباطل ومؤخر قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ‏"‏‏.‏

وأمره أن يقدم الاحتياط في حفظ الثغور ومجاوريها من الكفار ويستعمل غاية التيقظ في ذلك والاستظهار‏:‏ ليأمن عليها غوائل المكايد ويفوز من التوفيق لذلك بأنواع المحامد ويتجرد لجهاد أعداء الدين والانتقام من الكفرة المارقين أخذاً بقول رب العالمين‏:‏ ‏"‏ انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ‏"‏‏.‏

وأن يعمل فيما يحصل من الغنائم عند فل جموعهم وافتتاح بلادهم وربوعهم بقول الله وما أمر به في قسمتها وإيفاء كل صاحب حصةٍ حصته منها سالكاً سبل من غدا لآثار الصلاح مقتفياً وللفرض في ذلك مؤدياً وبهدى ذوي الرشد مهتدياً‏.‏

قال الله تعالى في محكم التنزيل‏:‏ ‏"‏ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ‏"‏‏.‏

وأمره أن يجيب إلى الأمان من طلبه منه ويكون وفاؤه مقترناً بما تضمنه غير مضمرٍ خلاف ما يعطي به صفقة أمانه ولا مخالف باطنه ما أظهره من مقاربته إلى عقد الهدن وإتيانه ويجتنب الغدر وما فيه من العار وإسخاط الملك الجبار قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون ‏"‏‏.‏

وأمره بأن يأمر أصحاب المعاون بمساعدة القضاة والحكام ومعونتهم بما يقضي بلم شمل الصلاح في تنفيذ القضايا والانتظام وأخذ الخصوم بإجابة الداعي إذا استحضروا إلى أبوابهم للإنصاف والمسارعة إلى الحق الواجب عليهم من غير خلاف قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأكثرهم للحق كارهون ‏"‏‏.‏

وأمره بالتعويل في المظالم وأسواق الرقيق ودور الضرب والحسبة على من يأوي إلى عفافٍ ودين وعلمٍ بأحكام الشريعة وصحة يقين لا يخفى عليه ما حرمه الله تعالى وأحله ولا يلتبس على علمه ما أوضح إلى الحق الواضح سبله وإلى من يتولى المظالم بإيصال الخصوم إليه وإنصافهم كما أوجبه الله تعالى عليه واستماع ظلاماتهم وإحسان النظر في مشاجراتهم فإن أسفر للحق ضياءٌ تبعه أو اشتبه الأمر رده إلى الحكام ورفعه و إلى الناظر في أسواق الرقيق بالاحتراز والاستظهار وتعرية الأحوال من الشبه في امتزاج العبيد بالأحرار‏:‏ لتضحى الأنساب مصونةً مرعية والأموال عن الثلم محروسةً محمية‏.‏

و إلى من ينظر في الحسبة يتصفح أحوال العامة في متاجرهم وأموالهم وتتبع آثار صحتهم في المعاملة واعتلالهم واعتبار الموازيين والمكاييل وإلزام أربابها الصحة والتعديل قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ وزنوا بالقسطاس المستقيم ‏"‏‏.‏

وأن يعمل الجفن في تطهير البلاد من كل مدخول الاعتقاد معروفٍ بالشبه في دينه والإلحاد ومن يسعى منهم في الفساد ويأمر المرتبين في المراكز والأطراف باقتناصهم وكف فسادهم وإجلائهم عن عراصهم وأن يجري عليهم في السياسة ما يجب على أمثالهم من الزنادقة والذين توبتهم لا تقبل وأمرهم على حكم المخاطبين لا يحمل‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ‏"‏‏.‏

وأمره أن يتلقى النعمة التي أفرغت عليه وانساقت إليه بشكر ينطق به لسانه ويترجم عنه بيانه‏:‏ ليستديم بذلك الإكرام ويقترن الإحسان عنده بالالتئام وأن يوفيها حقها من دوام الحمد والقصد إلى شكرها والعمد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ‏"‏‏.‏

وليعلم أن أمير المؤمنين قد بين له من الصلاح ما اتضحت أعلامه وأثبتت في المرامي سهامه وأرشد إلى ما أودع هذا المنشور من جدد الفوز بمرضاة الله تعالى وشكر عباده عاملاً في ذلك بمقتضى جده واجتهاده‏:‏ ليحرز السبق في دنياه وعقباه ويتوفر عنده ما منح به مما أرهف عزمه وحباه وغدا بمكانه رافلاً في ملابس الفخر والبهاء نائلاً مني ما طال به مناكب القرناء واختص بما أعلى درجته فتقاعست عنه آمال حاسديه وتفرد بالمكانة عن مقام من يباريه ويناويه وأولي من الإنعام ما أمن به سرب النعمة عنده وأصفى من مناهل الإحسان ورده وأهدى إليه من المواعظ ما يجب أن يودعه واعية الأسماع ويأخذ بالعمل به كل راع فينهج أدام الله علوه محاج الولاء الذي عهده من أمثاله من الأولياء متنزهاً عن تقصيرٍ منه في عامة الأوقات ومراعياً أفعاله في جميع التصرفات ويعلم أنه مسؤول عن كل ما تلفظ به لسانه ناطقاً ونظر طرفه إليه رامقاً قبل أن يجانب هواه ويبقى رهيناً بما اكتسبت يداه ولا يغتر من الدنيا وزخرفها بغرار ليس الوفاء من طباعه ومعيرٍ ما أقصر مدة ارتجاعه‏!‏ وسبيل كافة القضاة والأعيان ومقدمي العساكر والأجناد ورؤساء البلاد متابعته وموافقته وطلب مصالهم من جنابه والتصرف على استصوابه وقد أكدت وصاته في الرفق بهم والاشتمال عليهم والإحسان إليهم وإجمال السيرة فيهم وكلما أشكل عليه أمرٌ من المتجددات يطالع به الديوان العزيز مجده الله تعالى لينهج له السبيل إلى فتح رتاجه وسلوك منهاجه والله ولي التوفيق والهداية وجمع الكلمة في كل إعادةٍ وبداية والمعونة على العصمة من الزلل والتأييد في القول والعمل إن شاء الله تعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل الوجه السابع فيما يكتب في مستند عهد السلطان عن الخليفة وما يكتبه الخليفة في بيت العلامة وما يكتب في نسخة العهد من الشهادة أو ما يقوم مقامها أما ما يكتب في المستند فقد جرت العادة أن يكتب فيه نحو ما تقدم في البيعات وعهود ولاة العهد بالخلافة‏:‏ وهو‏:‏ بالإذن العالي المولوي الإمامي النبوي الفلاني بلقب الخلافة أعلاه الله تعالى‏.‏

وأما ما يكتبه الخليفة في بيت العلامة فإنه يكتب علامته وتحتها‏:‏ فوضت إليه ذلك وكتب فلان بن فلان‏.‏

ورأيت في بعض الدساتير نقلاً عن الحاكم بأمر الله أبي العباس ابن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان أنه كان يكتب‏:‏ وكتب أحمد ابن عم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما ما يكتب في نسخة العهد من الشهادة فقد جرت العادة أن يكتب قاضيان فأكثر من قضاة القضاة الأربعة في حاشية العهد أو في ذيله ما صورته‏:‏ أشهدني مولانا أمير المؤمنين العاهد المشار إليه فيه أدام الله تعالى أيامه بما نسب إليه فيه من العهد إلى فلان بن فلان أو ما في معنى ذلك‏.‏

قلت‏:‏ والواجب أن يضموا في رسم شهادته الشهادة على السلطان بقبول العهد بأن يقال قبل على ما نص وشرح فيه‏:‏ وعلى مولانا السلطان المشار إليه فيه بقبول ما فوض إليه فيه أو نحو ذلك‏:‏ لأنه كما يعتبر العهد من العاهد يعتبر القبول من المعهود إليه كما تقدم في موضعه‏.‏

الوجه الثامن في قطع الورق الذي تكتب فيه عهود الملوك عن الخلفاء والقلم الذي يكتب به وكيفية كتابتها وصورة وضعها في الورق أما قطع الورق فلا نزاع في أنه يكتب في قطع البغدادي الكامل على ما هو مستقر العادة الآن‏.‏

وقد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق في المقالة الأولى من الكتاب أن عرضه ثلاثة أشبار وخمسة أصابع وطول الوصل كذلك‏.‏

وأما القلم الذي يكتب به فمختصر قلم الطومار لمناسبته له على ما تقدم فيما يناسب كل قطع من الورق من الأقلام‏.‏

وأما كيفية كتابة العهد وصورة وضعه في الورق فعلى ما تقدم في البيعات وعهود أولياء العهد بالخلافة‏:‏ وهو ان يبدأ بكتابة الطرة في أعلى الدرج من أول عرض الورقة إلى آخره سطوراً متلاصقةً من غير هامشٍ وفي أعلاه قدر إصبع بياضاً ثم يترك ستة أوصالٍ بياضاً من غير كتابة غير الوصل الذي فيه الطرة ثم تكتب البسملة في أول الوصل الثامن بحيث تكون أعالي ألفاتها تكاد تحلق بالوصل الذي فوقه بهامش عن يمين الدرج قدر أربعة أصابع مطبوقة أو خمسة ثم يكتب سطراً من أول العهد تحت البسملة ملاصقاً بحيث تكاد أعالي ألفاته تلحق بالبسملة ثم يخلي بيت العلامة قدر شبر ثم يكتب السطر الثاني من العهد على سمت السطر الذي تحت البسملة ويسترسل في كتابة بقية العهد‏.‏

ثم الذي رأيته في دستور معتمد ينسب للمقر العلائي بن فضل الله أنه يكون بين كل سطرين قدر ربع ذراع‏.‏

وأخبرني بعض فضلاء الكتاب أنه رأى في بعض الدساتير أن سطوره تكون مزدوجةً على نظير البسملة والسطر الأول وبين كل سطرين بعد بيت العلامة تقدير خمسة أصابع مطبوقةٍ‏.‏

قلت‏:‏ ولعل ذلك تفنن من الكاتب وتطريزٌ للكتابة لا على سبيل اللزوم‏.‏

فإن قيل‏:‏ لم كان مقدار البياض بين سطور العهد مع كبر قطع الورق دون بياض ما بين سطور التقاليد ونحوها مما يكتب عن السلطان على ما سيأتي ذكره فالجواب أن العهد كالمكاتبة من العاهد للمعهود إليه كما أن التقليد كالمكاتبة من المقلد للمقلد والأعلى في حق المكتوب إليه أن تكون السطور متضايقةً على ما تقدم في الكلام على المكاتبات فناسب أن تكون سطور العهد أكثر تقارباً من سطور التقليد وما في معناه تعظيماً لشأن السلطان في الحالتين‏.‏

فإن قيل‏:‏ ينقض ذلك بعظم قلم العهد ضرورة أنه كلما غلظ القلم كان أنزل في رتبة المكتوب إليه على ما تقدم أيضاً فالجواب‏:‏ أن غلظ القلم في العهد تابعٌ للورق في كبر قطعه وقاعدة ديوان الإنشاء أنه كلما كبر قطع الورق في المكاتبات كان تعظيماً للمكتوب إليه بدليل أنه كل من عظم مقداره من الملوك كان قطع الورق في مكاتبته اكبر ولو كتب العهد بقلمٍ دقيق مع ضيق السطور وسعة الورق لجاء في غاية القصر‏.‏

ثم قد جرت العادة أن تكون كتابة العهد من أوله إلى آخره من غير نقط ولا شكل وعليه عمل الكتاب إلى آخر وقت‏.‏

قلت‏:‏ هذا بناءً على المذهب الراجح في أن المكاتبة إلى الرئيس تكون من غير إعجام ولا ضبط‏:‏ لما في الإعجام والضبط من استجهال المكتوب إليه ونسبته للغباوة وقلة الفهم بخلاف من ذهب إلى أن الكتابة إلى الرئيس تقيد بالإعجام والضبط كي لا يعترضه الشك ولا يكلف إعمال الفكر على ما تقدم ذكره في أوائل المكاتبات فإنه يرى نقط العهد وشكله‏.‏

وإذا انتهى إلى آخر العهد كتب المشيئة ثم التاريخ ثم المستند ثم الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الحسبلة على ما تقدم في الكلام على الفواتح والخواتم في أوائل المقالة الطرة هذا عهدٌ شريفٌ تجددت مسرات الإسلام بتجديده وتأكدت أسباب الإيمان بتأكيده ووجد النصر العزيز والفتح المبين بوجوده ووفد اليمن والإقبال على الخليقة بوفوده وورد الأنام مورد الأمان بوروده‏.‏

من عبد الله ووليه الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد عهد به إلى السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمدٍ خلد الله سلطانه ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي قدس الله روحه على ما شرح فيه‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم الهامش هذا عهدٌ شريفٌ يعمر بك للإسلام المعاهد وينصر منك الاعتزام بيت لعلامة فتغني عن الموالي والمعاضد ويلقي إليك مقاليد الأمور لتحمي في مرضاة تقدير ربع ذراع‏.‏

الهامش الله وتجاهد ويبعثك على العمل بالكتاب والسنة‏:‏ ليكونا شاهدين لك تقدير ربع ذراع‏.‏

عند الله في أعظم المشاهد إلى أن يأتي إلى قوله في آخره‏:‏ والله تعالى فأنصاره لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة ويجعل سبب هذا العهد مدى الأيام متيناً و يجدد له في كل وقت نصراً قريباً و فتحاً مبيناً والخط الحاكمي أعلاه حجةٌ بمقتضاه إن شاء الله تعالى كتب في من شهر كذا سنة كذا بالإذن المولوي العالي الإمامي النبوي الحاكمي أعلاه الله تعالى الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل النوع الثالث من العهود عهود الملوك لولاة العهد بالملك وهو أن يعهد الملك بالملك بعده لمن يختاره من أولاده أو إخوته أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب‏.‏

ويتعلق النظر به من سبعة أوجه‏:‏ في بيان صحة ذلك لما صحت إمارة الاستيلاء إخماداً للفتن وتنفيذاً للأحكام الشرعية على ما تقدم من كلام الماوردي في النوع الثاني من العهود اقتضت المصلحة تصحيح العهد بالملك لما فيه من المعنى المتقدم‏.‏

وقد جرت عهودٌ من الملوك لأبنائهم بالديار المصرية وغيرها بحضرة الجم الغفير من العلماء وأهل الحل والعقد فأمضوا حكم ذلك ولم ينكروه وذلك منهم دليل الجواز‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد تقدم في النوع الثاني من العهد من كلام الماوردي أن وزير التفويض لا يجوز له أن يعهد بالوزارة لغيره ووزارة التفويض في معنى السلطنة الآن أو قريبةٌ منها على ما تقدم هناك فالجواب‏:‏ أنه قد تقدم أن السلطنة الآن مركبة من وزارة التفويض وإمارة الاستيلاء بل السلطان الآن كالمستبد بالأمر والشوكة مصححة لأصل الولاية فلأن تكون مصححة لفرعها أولى‏.‏

الوجه الثاني فيما يكتب في الطرة ينبغي أن يكون ما يكتب فيها على نحو ما يكتب في طرر عهود الملوك عن الخلفاء إلا أنه يزاد فيها‏:‏ عهد إليه بالملك بعده كما يقال في عهود الخلفاء عن الخلفاء‏:‏ عهد إليه بالأمر بعده‏.‏

هذا عهدٌ شريفٌ جليلٌ قدره رفيعٌ ذكره عليٌ فخره متبلج صبحه ضويٌ فجره‏.‏

من السلطان الأعظم الملك الفلاني فلان الدنيا والدين فلان خلد الله تعالى سلطانه ونصر جيوشه وأعوانه بالسلطنة الشريفة لولده المقام العالي السلطاني الملكي الفلاني بلغه الله تعالى فيه غاية الآمال وحقق فيه للرعية ما يرجونه من مزيد الإفضال على ما شرح فيه‏.‏

الوجه الثالث في الألقاب التي تكتب في أثناء العهد وقد ذكر في التعريف أنه يكتب له‏:‏ المقام الشريف أو الكريم أو العالي مجرداً عن الشريف والكريم ويقتصر فيها على الألقاب المفردة دون المركبة‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذه الطريقة كتب القاضي محي الدين بن عبد الظاهر ألقاب الملك الصالح علي بن المنصور قلاوون في عهده بالسلطنة عن والده المذكور فقال‏:‏ ولما كان المقام العالي الولدي السلطاني الملكي الصالحي العمادي‏.‏

وعلى نحو من ذلك كتب المشار إليه ألقاب الملك السعيد بركة بن الظاهر بيبرس في عهده بالسلطنة عن والده المذكور فقال‏:‏ وخرج أمرنا بأن يكتب هذا التقليد لولدنا الملك السعيد ناصر الدين بركة خاقان محمد إلا أنه قد خالف ذلك فيما كتب به في ألقاب الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون في عهده بالسلطنة عن والده فجمع بين الألقاب المفردة والمركبة فقال‏:‏ هذا عهدنا للسيد الأجل الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين فخر الملوك والسلاطين خليل أمير المؤمنين ولم يتعرض في التعريف لحكاية هذا المذهب مع كون كلام ابن عبد الظاهر حجةً يرجع إليه في هذا الفن‏.‏

الوجه الرابع ما يكتب في المستند ويتعين أن يكتب فيه حسب المرسوم الشريف لصدوره عن السلطان كما يكتب في التقاليد‏.‏

الوجه الخامس ما يكتب في متن العهد وللكتاب فيه طريقتان الطريقة الأولى أن يفتتح العهد بعد البسملة بلفظ هذا وعلى هذه الطريقة كتب أبو بكر بن القصيرة المغربي الكاتب عن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين سلطان المغرب بولاية عهده لابنه أبي الحسن على ما بيده من الغرب والأندلس في ذي الحجة سنة ستٍ وتسعين وأربعمائة وهو‏:‏ كتاب تولية عظيمٍ جسيم وتوصية حميم كريم مهدت على الرضا قواعده وأكدت بيد التقوى معاقده وأبعدت عن الغواية والهوى مصادره وموارده أنفذ أمير المسلمين وناصر الدين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين أدام الله أمره وأعز نصره وأطال فيما يرضيه ويرضى به عنه عمره غير محابٍ ولا تاركٍ في النصيحة لله عز وجل ولرسوله موضع ارتيابٍ لمرتاب للأمير الأجل أبي الحسن علي ابنه المتقبل شيمه وهممه المتأثل حمله وتحمله الناشيء في حجر تقويمه وتأديبه المتصرف بين يدي متحديه وتهذيبه أدام الله عزه وتوفيقه وأنهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه وقد تهمم بمن تحت عصاه من المسلمين وهذا فيمن يخلفه فيهم هدًى للمتقين ولم ير أن يتركهم سدًى غير مدينين فاعتام في النصاب الرفيع واختار واستنصح أولي الرأي منهم ومن غيرهم واستشار واستضاء بشهاب استخارة الله عز وجل واستنار فلم يوقع الله بعد طول تأمل وتراخي مدةٍ وتمهل اختياره ولا اختيار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحكمة والتجربة واستشاره إلا عليه ولا صار به وبهم الاجتهاد إلا إليه ولا التقى وراد الترائي والتشاور إلا بين يديه فولاه على استحكام بصيرةٍ وبعد طول مشورةٍ عهده وأفضى إليه بالأمر والنهي والبسط والقبض بعده وجعله خليفته في رعايا مسنده وأوطأ عقبه جماهير الرجال وناطه بمهمات الأموال والأحوال وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنة في أحدٍ عصى أو أطاع ولا ينام به عن حماية من أسهره الحيف والخوف والاضطجاع ولا يتلهى دون معلن شكوى ولا يتصمم عن مستصرخٍ لدفاع بلوى وأن ينتظم أقصى بلاده وأدناها في سلك تدبيره ولا يكون بين القريب والبعيد من رعيته بونٌ في إحصائه وتقديره ثم دعا أدام الله تأييده لمبايعته من دنا ونأى من المسلمين فلبوا مسرعين وأتوا مهطعين وأعطوا صفقة أيمانهم متبرعين متطوعين وبايعوه على السمع والطاعة والتزام سنن الجماعة وبذل النصيحة وإصفاء النيات الصحيحة وموادة من صاحبه ومحاربة من حاربه ومكايدة من كايده ومعاندة من عانده لا يدخرون في ذلك على حال المكره والمنشط مقدرة ولا يحتجون في وقتي السخط والرضا بمعذرة ثم أمر بمخاطبة أهل البلاد لتبايعه كل طائفة في بلدها وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها حتى يستوي في التزام بيعته القريب والبعيد ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب والشهيد وتطمئن من أعلام الناس وخيرهم قلوبٌ كانت من تراخي ما انتجز قلقة ولم تزل ببقية التأخر أرقة ويشمل الناس السرور والاستبشار وتتمكن لهم الدعة ويتمهد القرار وتنشأ في الصلاح لهم آمال ويستقبلهم جد صاعدٌ وإقبال والله يبارك لهم فيها بيعة ورضوان وصفقة رجحان ودعوة إيمان إنه على ما يشاء قدير لا إله إلا هو نعم المولى ونعم النصير‏.‏

شهد على أمير المسلمين ناصر الدين أبي يعقوب يوسف بن تاشفين أدام الله أمره وأعز نصره بكل ما ذكر عنه من التزام البيعة المنصوصة فوق هذا وأعطى صفقة يمينه متبرعاً بها وبالله التوفيق وذلك بحضرة قرطبة حماها الله تعالى‏.‏

الطريقة الثانية افتتاح العهد بعد البسملة بالحمد الله أن يفتتح العهد بعد البسملة بخطبة مفتتحةٍ بالحمد لله وهي طريقة المصريين وعليها اقتصر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف وعلى هذه الطريقة كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن الظاهر بيبرس عهد ولده الملك السعيد بركة وهذه نسخته‏:‏ الحمد لله منمي الغروس ومبهج النفوس ومزين سماء المملكة بأحسن الأهلة وأضوإ البدور وأشرق الشموس الذي شد أزر الإسلام بملوك يتعاقبون مصالح الأنام ويتناوبون تدبيرهم كتناوب العينين واليدين في مهمات الأجساد وملمات الأجسام‏.‏

نحمده على نعمه التي أيقظت جفن الشكر المتغافي وأوردت نهل الفضل الصافي وخولت الآلاء حتى تمسكت الآمال منها بالوعد الوفي وأخذت بالوزن الوافي ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبدٍ كثر الله عدده وعدده وأحمد أمسه ويومه ويحمد إن شاء الله تعالى غده ونصلي على سيدنا محمد الذي أطلع الله به نجم الهدى وألبس المشركين به أردية الردى وأوضح به مناهج الدين وكانت الطرائق قددا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً دائمةً الله لا تنقضي أبدا‏.‏

وبعد فإنا ألهمنا الله من مصالح الأمم وخولنا من الحرص على مهمات العباد الذي قطع به شأفة الكفر وختم وأتى به والشرك قد علم كل أحدٍ اشتعال ناره فكان علماً بنارٍ مضرمة لا ناراً على علم وقدره من رفع الكفر من جميع الجوانب وقفوهم من كل جهة حتى رماهم بالحتف الواصل والعذاب الواصب فأصبح الشرك من الإبادة في شرك و الإسلام لا يخشى من قتل ولا يخاف من درك وثغور الإسلام عالية المبتنى جانيةٌ ثمار الادخار من هنا ومن هنا تزاحم بروجها في السماء البروج وتشاهد الأعداء منها سماءً قد بنيت وزينت ومالها من فروج وعساكر الملة المحمدية في كل طرف من أطراف الممالك تجول وفي كل وادٍ تهيم حتى تشعر بالنصر ولكنها تفعل ما تقول‏:‏ قد دوخت البلاد فقتلت العداء تارةً بالإلمام وتارة بالإدهام وسلت سيوفها فراعتهم يقظةً بالقراع ونوماً بالأحلام ترى أنا قد لذ لنا هذا الأمر التذاذ المستطيب وحسن لدينا موقعه فعكفنا عليه عكوف المستجيد ولبيناه تلبية المستجيب وجعلنا فيه جميع الآلات و الحواس وتقسمت مباشرته ومؤامرته سائر الزمن حتى غدا أكثر تردداً إلى النفس من الأنفاس واستنفدنا الساعات في امتطاء المضمر الشموس وادراع محكم الدلاص التي كأنها وميض برقٍ أو شعاع شموس وتجريد المرهفات التي جفت لحاظها الأجفان وجرت فكالمياه وأضرمت فكالنيران وتفويق السهام التي غدت قسيها مرابعاً نبالها بان واعتقال السمهرية التي تقرع الأعداء سنها ندماً كلما قرعت هي السنان إلى غير ذلك من كل غارةٍ شعواء تسيء للكفار الصباح وتصدم كالجبال وتسير كالرياح ومنزلاتٍ كم استلبت من موجود وكم استنجزت من نصرٍ موعود وكم مدينةٍ أضحت لها ولكن أخرها الله إلى أجل معدود‏.‏

وكانت شجرتنا المباركة قد امتد منها فرعٌ تفرسنا فيه الزيادة والنمو وتوسمنا منه حسن الجنى المرجو ورأينا أنه الهلال الذي قد أخذ في ترقي منازل السعود إلى الإبدار وأنه سرنا الذي صادف مكان الاختبار له مكان الاختيار فأردنا أن ننصبه في منصب أحلنا الله فسيح غرفه ونشرفه بما خولنا الله من شرفه وأن تكون يدنا ويده تلتقطان من ثمره وجيدنا وجيده يتحليان بجوهره وأنا نكون للسلطنة الشريفة السمع والبصر وللملكة المعظمة في التناوب بالإضاءة الشمس والقمر وأن تصول الأمة منا ومنه بحدين ويبطشوا من أمرنا وأمره بيدين وان نرتبه على حسن سياسةٍ تحمد الأمة إن شاء الله تعالى عاقبتها عند الكبر وتكون الخلاق الملوكية منتشئة منه ومنتشئةً به من الصغر ونجعل سعي الأمة حمدياً ونهب لهم منه سلطاناً نصيراً وملكاً سعيداً ونقوي به عضد الدين ونريش جناح المملكة وننجح مطلب الأمة بإيالته وكيف لا ينجح مطلب فيه بركة‏.‏

وخرج أمرنا لا برح مسعداً ومسعفاً ولا عدمت الأمة منه خلفاً منبلاً ونواءً محلفاً بأن يكتب هذا التقليد لولدنا السعيد ناصر الدين بركة خاقان محمد جعل الله مطلع سعده بالإشراق محفوفاً وأرى الأمة من ميامنه ما يدفع للدهر صرفاً ويحسن بالتدبير تصريفاً بولاية العهد الشريف على قرب البلاد وبعدها وغورها ونجدها وقلاعها وثغورها وبرورها وبحورها وولايتها وأقطارها ومدنها وأمصارها وسهلها وجبلها ومطلعها ومغتلها وما تحوي أقطاره الأحلام وما ينسب للدولة القاهرة من يمنٍ وحجازٍ ومصر وغربٍ وسواحل وشامٍ بعد شام وما يتداخل ذلك من قفار ومن بيدٍ في سائر هذه الجهات وما يتخللها من نيل وملح وعذبٍ فرات ومن يسكنها من حقير وجليل ومن يحلها من صاحب رغاء وثغاء وصليل وصهيل وجعلنا يده في ذلك كله المبسوطة وطاعته المشروطة ونواميسه المضبوطة ولا تدبير ملكٍ كلي إلا بنا أو بولدنا يعمل ولا سيف ولا رزق إلا بأمرنا هذا يسل وهذا يسأل ولا دست سلطنةٍ إلا بأحدنا يتوضح منه الإشراق ولا غصن قلم في روض أمر ونهي إلا ولدينا ولديه تمتد له الأوراق ولا منبر خطيبٍ إلا باسمنا يميس ولا وجه درهم ولا دينارٍ إلا بنا يشرق ويكاد تبرجاً لا بهرجاً يتطلع من خلال الكيس‏.‏

فليتقلد الولد ما قلدناه من أمور العباد وليشركنا فيما نباشره من مصالح الثغور والقلاع والبلاد وسنتعاهد هذا الولد من الوصايا بما سينشأ معه توءماً ويمتزج بلحمه ودمه حتى يكاد يكون ذلك إلهاماً لا تعلماً وفي الولد بحمد الله من نفاذ الذهن وصحة التصور ما تتشكل فيه الوصايا أحسن التشكيل وتظهر صورة الإبانة في صفائه الصقيل فلذلك استغنينا عن شرحها هاهنا مسرودة وفيه بحمد الله من حسن الخليقة ما يحقق أنها بشرف الإلهام موجودة والله لا يعدمنا منه إشفاقاً وبراً ويجعله أبداً للأمة سنداً وذخراً إن شاء الله تعالى‏.‏

وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أيضاً عن المنصور قلاوون عهد ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل وهذه نسخته‏:‏ الحمد لله الذي لم يزل له السمع والطاعة فيما أمر والرضا والشكر فيما هدم من الأعمار وما نحمده على أن جعل سلطاننا ثابت الأركان كل روضة من رياضه ذات أفنان لا تزعزعه ريحٌ عقيم ولا يخرجه رزءٌ عظيم عن الرضا والتسليم ولا يعتبط من حملته كريمٌ إلا ويغتبط من أسرته بكريم ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تزيد قائلها تفويضاً وتجزل له تعويضاً وتحسن له على الصبر الجميل في كل خطب جليلٍ تحريضاً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل عليه التسليم‏:‏ ‏"‏ وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل ‏"‏‏.‏

والنبي الذي أوضح به المنهاج وبين به السبل صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تجاوبت المحابر والمنابر في البكر والأصل وما نثرت عقود ونظمت ونسخت آياتٌ وأحكمت ونقضت أمورٌ وأبرمت وما عزمت آراء فتوكلت وتوكلت فعزمت ورضي الله عن أصحابه الذين منهم من كان للخليفة نعم الخليفة ومنهم من لم يدرك أحدٌ في تسويد النفس الحصيفة ولا في تبييض الصحيفة مده ولا نصيفه ومنهم من يسره الله لتجهيز جيش العسرة فعرف الله ورسوله معروفه ومنهم من علم صالحاً أرضى ربه وأصلح في ذريته الشريفة‏.‏

وبعد فإن من ألطاف الله تعالى واكتناف عواطفه ببلاده أن جعلنا كلما وهى للملك ركنٌ شديدٌ شيدنا ركناً عوضه وكلما اعترضت للمقادير جملةٌ بدلنا آيةً مكان آيةٍ وتناسينا تجلداً تلك الجملة المعترضة فلم يحوج اليوم لأمسه وإن كان حميداً ولا الغارس لغرسه وإن كان ثمره يانعاً وظله مديداً فأطلعنا في أفق السلطنة كوكباً كان لحسن الاستخلاف معداً ومن لقبيل المسلمين خيرٌ ثواباً وخيرٌ مرداً ومن يبشر الله به من الأولياء المتقين وينذر من الأعداء قوماً لداً ولم يبق إلا به أنسنا بعد ذهاب الذين تحسبهم كالسيف فرداً والذي أمضى حده ضريبةً إلا قد البيض والأبدان قداً ولا جهز راية كتيبة إلا أغنى غناء الذاهبين وعد الأعداء عداً ولا بعثه جزع فقال‏:‏ كم من أخٍ لي صالح إلا لقيه ورعٌ فقال‏:‏ وخلقت يوم خلقت جلداً وهو الذي بقواعد السلطنة أدرى وبقوانينها الأعرف وعلى الرعايا الأعطف وبالرعايا الأرأف وهو الذي ما قيل لبناء ملك هذا عليه قد وهى إلا وقيل هذا بناءٌ مثله منه أسمى ملكٌ أشرف والذي ما برح النصر ينتسم من مهاب تأميله الفلاح ويبتسم ثغره فتتوسم الثغور من مبسمه النجاح ويقسم نوره على البسيطة فلا مصرٌ من الأمصار إلا وهو يشرئب إلى ملاحظة جبين عهده الوضاح ويتفتق اشتقاق النعوت فيقول التسلي للتملي‏:‏ سواءٌ الصالح والصلاح والذي ما برح لشعار السلطنة إلى توقله وتنقله أتم حنين وكأنما كوشفت الإمامة العباسية بشرف مسماه فيما تقدم من زمنً سلف ومن حين فسمت ووسمت باسمه أكابر الملوك وأخاير السلاطين فخوطب كلٌ منهم مجازاً لا كهذه الحقيقة بخليل أمير المؤمنين والذي كم جلا ببهي جبينه من بهيم وكم غدا الملك بحسن روائه ويمن آرائه يهيم وكم أبرأ مورده العذب هيم عطاشٍ ولا ينكر الخليل إذا قيل عنه إبراهيم ومن تشخص الأبصار لكماله يوم ركوبه حسيرة وتلقي البنان سلاحها ذهلاً وهي لا تدري لكثرة الإيماء إلى جلاله إذا يبدو مسيره والذي ألهم الله الأمة لجوده ووجوده صبراً جميلاً وأتاهم من نفاسة كرمه وحراسة سيفه وقلمه تأميناً وتأميلاً وعظم في القلوب والعيون بما من بره سيكون فسمته الأبوة الشريفة ولداً وسماه الله خليلاً‏.‏

ولما تحتم من تفويض أمر الملك إليه ما كان لوقته المعلوم قد تأخر وتحين حينه فكمل زيادةً كزيادة الهلال حتى بادر تمامه فأبدر اقتضى حسن المناسبة لنصائح الجمهور والمراقبة لمصالح الأمور والمصاقبة لمناجح البلاد والثغور والمقاربة من فواتح كل أمر ميسور أن نفوض إليه ولاية العهد الشريف بالسلطنة الشريفة المعظمة المكرمة المفخمة المنظمة وأن يبسط يده المنيفة لمصافحتها بالعهود وتحكمها في العساكر والجنود وفي البحور والثغور وفي التهائم والنجود وأن يعدق ببسطها وقلمها كل قطع ووصل وكل فرع وأصل وكل نصر ونصل وكل ما يحمي سرحاً ويهمي منحاً وفي المثيرات في الإعداء على الأعداء نقعاً وفي المغيرات صبحاً وفي المنع والإطلاق وفي الإرفاد والإرفاق وفي الخميس إذا ساق وفي السيوف إذا بلغت التراقي وقيل من راق وفي الرماح إذا التفت الساق بالساق وفي المعاهدات والهدن وفي الفداء بما عرض من عرض وبالبدن بالبدن وفيما ظهر من أمور الملك وما بطن وفي جميع ما تستدعيه بواعثه في السر والعلن وتسترعيه نوافثه من كبت وكتب متفرقين أو في قرن عهداً مباركاً عوذه وتمائمه وفواتحه وخواتمه ومناسمه ومياسمه وشروطه ولوازمه وعلى عاتق الملك الأعز نجاده وفي يد جبار السماوات قائمه لا راد لحكمه ولا ناقض لبرمه ولا داحض لما أثبته الأقلام من مكنون علمه‏.‏

ويزيده مر الليالي جدةً وتقادم الأيام حسن شباب وتلزم السنون والأحقاب استيداعه للذراري والأعقاب فلا سلطانٌ ذو قدر وقدرة ولا ذو أمر وإمرة ولا نائبٌ في مملكة قربت أو بعدت ولا مقدم جيوش أتهمت أو أنجدت ولا راعٍ ولا رعية ولا ذو حكم في الأمور الشرعية ولا قلم إنشاءٍ ولا قلم حساب ولا ذوو أنساب ولا ذوو أسباب إلا وكلٌ داخلٌ في قبول هذا العهد الميمون ومتمسكٌ بحكم كتابه المكنون والتسليم لنصه الذي شهد به من الملائكة الكرام الكاتبون وأمست بيعته بالرضوان محفوفة والأعداء يدعونها تضرعاً وخيفة وليشكروا الصنيع الذي بعد أن كانت الخلفاء تسلطن الملوك قد صار سلطانهم يقيم من ولاة العهد خليفةً بعد خليفة‏.‏

وأما الوصايا فأنت يا ولدنا الملك الأشرف أعزك الله بها الدرب ولسماع شدوها وحدوها الطرب الذي للغو لا يضطرب فعليك بتقوى الله عز وجل فإنها ملاك سدادك وهلاك أضدادك وبها يراش جناح نجاحك ويحسن اقتداء اقتداحك فاجعلها دفين جوانح تأميلك ووعيك ونصب عيني أمرك ونهيك والشرع الشريف فهو قانون الحق المتبع ومأمون الأمر المستمع وعليه مدار إيعاء كل إيعاز وبه يتمسك من أشار وامتاز وهو جنة والباطل نار‏:‏ ‏"‏ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ‏"‏ فلا تخرج في كل حال عن لوازمه وشروطه ولا تنكب على معلقه ومنوطه‏.‏

والعدل فهو مثمرٌ غروس الأموال ومعمرٌ بيوت الرجاء والرجال وبه تزكو الأعمار والأعمال فاجعله جامع أطراف مراسمك وأفضل أيام مواسمك وسم به فعلك وسم به فرضك ونفلك ولا تفرد به فلاناً دون فلان ولا مكاناً دون مكان واقرنه بالفضل‏:‏ ‏"‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ‏"‏‏.‏

وأحسن التخويل وأجمل التنويل وكثر لمن حولك من التموين التمويل وضاعف الخير في كل مضاف لمقامك ومستضيفٍ بإنعامك حتى لا تعدم في كل مكان وكل زمان ضيافة الخليل والثغور فهي للممالك مباسمها وللمسالك مناسمها فاجعل نواجذها تفتر عن حسن ثنايا الصون ومراشفها شنبة الشفاه بحسن العون ومنها بما يحمي السرح منها وأعنها بما يدفع المكاره عنها فإنها للنصر مقاعد وبها حفظ البلاد من كل مارٍ من الأعداء مارد وأمراء الجيوش فهم السور الواقي بين يدي كل سور وما منهم إلا كل بطل بالنصر مشهور كما سيفه مشهور وهم ذخائر الملوك وجواهر السلوك وأخاير الأكابر الذين خلصوا من الشكوك وما منهم إلا من له خدمات سلفت وحقوقٌ عرفت وموات على استلزام الرعاية للعهود وقفت فكن لجنودهم متحبباً ولمرابعهم مخصباً ولمصالحهم مرتباً ولآرائهم مستصوباً ولاعتضادهم مستصحباً وفي حمدهم مطنباً وفي شكرهم مسهباً والأولياء المنصوريون الذين هم كالأولاد ولهم سوابق أمت من سوابق الإيجاد وهم من علمت استكانةً من قربنا ومكانةً من قلبنا وهم المساهمون فيما ناب وما برحوا للدولة الظفر والناب فأسهم لك منهم من احترامك نصيباً وأدم لهم ارتياحك وألن جماحك وقوهم بسلاحك تجد منهم ضروباً وترى كلاً منهم في أعدائك ضروباً‏.‏

وكما أنك نوصيك بجيوش الإسلام كذا نوصيك بالجيش الذي له جوار المنشآت في البحر كالأعلام فهو جيش الأمواه والأمواج المضاف إلى الأفواج من جيش الفجاج وهو الجيش السليماني في إسراع السير وما سميت شوانيه غرباناً إلا ليجتمع بها لنا ما اجتمع لسليمان صلى الله عليه وسلم من تسخير الريح والطير وهي من الديار المصرية على ثبج البحر الأسوار فإن قذفت قذفت الرعب في قلوب الأعداء وإن أقلعت قلعت منهم الآثار فلا تخله من تجهيز جيشه وسكن طيش البحر بطيشه فيصبح لك جيشان كلٌ منهما ذو كرٍ وفر هذا في برٍ بحرٌ وهذا ببحرٍ بر وبيوت العبادات فهي التي إلى مصلى سميك خليل الله تنتهي محاريبها وبها لنا ولك وللمسلمين سرى الدعوات وتأويبها فوفها نصيبها المفروض غير منقوص ومر برفعها وذكر اسم الله تعالى فيها للأمر المنصوص وأخواتها من بيوت الأموال الواجدات الواجبات من حيث إنها كلها بيوت الله عز وجل‏:‏ هذه للصلاة وهذه للصلات وهذه كهذه في رفع المنار وجمع المبار وإذا كانت تلك مما أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فهذه ترفع ويذكر فيها اسمه حتى على الدرهم والدينار فاصرف إليها اجتهادك فيما يعود بالتثمير كما يعود على تلك بالتنوير وعلى هذه بإشحانها بأنواع الصروف كإشحان تلك باستواء الصفوف فإنها إذا أصبحت مصونة أجملت بحمد الله المعونة وكفلت بالمؤونة وبالزيادة على المؤونة فتكمل هذه لكل ولي دنياه كما كملت تلك لكل ولي دينه وحدود الله فلا يتعداها أحد ولا يرأف فيها ولدٌ بوالد ولاوالد بولد فأقمها وقم في أمرها حتى تنضبط أتم الضبط ولا تجعل يد الفتك مغلولةً إلى عنقها ولا تبسطها كل البسط فلكلٍ من الجنايات والقصاص شرط شرطه الله وحدٌ حده فلا يتجاوز أحد ذلك الحد ولا يخرج عن ذلك الشرط والجهاد فهو الديدن المألوف من حيث نشأ نشأ ونشأتك‏.‏

‏.‏

‏.‏

وفي ظهور الخيل فمل على الأعداء كل الميل وصبحهم من فتكاتك بالويل بعد الويل وارمهم بكل شمري قد شمر من يده عن الساعد ومن رمحه عن الساق ومن جواده الذيل واذهب لهم من كل ذلك مذهب وأنر بنجوم الجرسان كل غيٍ وغيهب وتكثر في غزوهم من الليل بكل أدهم ومن الشفق بكل أحمر وأشقر ومن الأصيل بكل أصفر ومن الصبح بكل أشهب واستنهب أعمارهم واجعلها آخر ما يسلب وأول ما ينهب ونرجو أن يكون الله قد خبأ لك من الفتوحات ما يستنجزها لك صادق وعده وان ينصر بك جيوش الإسلام في كل إنجاد وإتهام وما النصر إلا من عنده وبيت الحج المحجوج من كل فج المقصود من كل نهج فسير سبيله ووسع له الخير وأحسن تسبيله وأوصل من برك لكلٍ من الحرمين ما هو له لتصبح ربوعه بذلك مأهولة واحمه ممن يريد فيه بإلحادٍ بظلم وطهره من مكس وغرم‏:‏ ليعود نفعك على البادي والعاكف ويصبح واديه وناديه مستغنين بذلك عن السحاب الواكف والرعايا فهم للعدل زروع وللاستثمار فروع ولاستلزام العمارة شروع فمتى جادهم غيثٌ أعجب الزراع نباتهم ونمت بالصلاح أقواتهم وصلحت بالنماء أوقاتهم وكثرت للجنود مستغلاتهم وتوفرت زكواتهم وتنورت مشكاتهم والله يضاعف لمن يشاء‏.‏

هذا عهدنا للسيد الأجل الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين فخر الملوك والسلاطين خليل أمير المؤمنين أعز الله تعالى ببقائه الدين فليكن بعروته متمسكاً وبنفحته متمسكاً وليتقلد سيف هذا التقليد ويفتح مغلق كل فتح منه بخير إقليد وها نحن قد كثرنا لديه جواهره فدونه ما يشاء تحليته من تتويج مفرقٍ وتختيم أنامل وتسوير زند وتطويق جيد ففي كل ذلك تبجيلٌ وتمجيد و الله تعالى يجعل استخلافه هذا للمتقين إماماً وللدين قواماً وللمجاهدين اعتصاماً وللمعتدين انفصاماً ويطفئ بمياه سيوفه نار كل خطب حتى يصبح كما أصبحت نار سميه صلى الله عليه وسلم برداً وسلاماً إن شاء الله تعالى‏.‏

على ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون المتقدم ذكره عهد ولده الملك الصالح علاء الدين علي وهذه نسخته‏:‏ الحمد لله الذي شرف سرير الملك منه بعليه وحاطه منه بوصيه وعضد منصوره بولاية عهد صالحه وأسمى حاتم جوده بمكارم حازها بسبق عديه وأبهج خير الآباء من خير الأبناء بمن سمو أبيه منه بشريف الخلق وأبيه وغذى روضه بمتابعة وسيمه وبمسارعة وليه‏.‏

نحمده على نعمه التي جمعت إلى الزهر الثمر وداركت بالبحر وباركت في النهر وأجملت المبتدأ وأحسنت الخبر وجمعت في لذاذة الأوقات وطيبها بين رونق الآصال ورقة البكر ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نلبس الألسنة منها في كل ساعةٍ ثوباً جديداً ونتفيأ منها ظلاً مديداً ونستقرب من الآمال ما يراه سوانا بعيداً ونصلي على سيدنا محمد الذي طهر الله به هذه الأمة من الأدناس وجعلها بهدايته زاكية الغراس صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فهم حسن استخلافه بالأمر له بالصلاة بالناس ومنهم من بنى الله به قواعد الدين وجعلها موطدة الإساس ومنهم من جهز جيش العسرة وواسى بماله حين الضراء والباس ومنهم من قال عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ‏"‏ فحسن الالتماس بذلك والاقتباس وزاد في شرفه بأن طهر أهل البيت وأذهب عنهم الأرجاس صلاةً لا تزال تتردد تردد الأنفاس ولا تبرح في الآناء حسنة الإيناس‏.‏

وبعد فإن خير من شرفت مراتب السلطنة بحلوله وفوفت ملابس التحكيم بقبوله ومن تزهى مطالع الملك بإشراقه وتتبادر الممالك مذعنةً لاستحقاقه ومن يزدهي ملكٌ منصوره نصر الله بولده وولي عهده مكنةً بانيه ومن يتشرف إيوان عظمته‏:‏ إن غاب والده في مصلحة الإسلام فهو صدره وغن حضر فهو ثانيه ومن يتجمل غاب الإيالة منه بخير شبل كفل ليثاً ويتكفل غوث الأمة بخير وابلٍ خلف غيثاً ومن ألهم الأخلاق الملوكية وأوتي حكمها صبياً ومن خصصته الأدعية الشريفة بصالحها ولم يكن بدعائها شقياً ومن رفعت به هضبة الملك حتى أمسى مكانها علياً ومن هو أحق بأن ينجب الأمل وينجح وأولى بأن يتلى له‏:‏ ‏"‏ اخلفني في قومي وأصلح ‏"‏ ومن هو بكل خيرٍ ملي ومن إذا فوضت إليه أمور المسلمين كان أشرف من لأمورهم يلي ومن يتحقق من والده الماضي الغرار ومن اسمه العالي المنار أن لا سيف غلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي‏.‏

ولما كان المقام العالي الولدي السلطاني الملكي الصالحي العلائي عضد الله به الدين وجمع إذعان كل مؤمن على إيجاب طاعته لمباشرة أمور المسلمين حتى يصبح وهو صالح المؤمنين هو المرجو لتدبير هذه الأمور والمأمول لصالح البلاد والثغور والمدخر في النصر لشفاء ما في الصدور والذي تشهد الفراسة لأبيه وله بالتحكم‏:‏ أو ليس الحاكم أبو علي هو المنصور فلذلك اقتضت الرحمة والشفقة على الأمة أن ينصب لهم ولي عهد يتمسكون من الفضل بعروة كرمه ويسعون بعد الطواف بكعبة أبيه لحرمه ويقتطفون أزهار العدل وثمار الجود من كلمه وقلمه وتستعد الأمة منه بالملك الصالح الذي تقسم الأنوار لجبينه وتقسم المبار من كرامته وكرمه‏.‏

فلذلك خرج الأمر العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري السيفي أخدمه الله القدر ولا زالت الممالك تتباهى منه ومن ولي عهده بالشمس والقمر ان يفوض إليه ولاية العهد وكفالة السلطنة المعظمة ولايةً تامةً عامة شاملةً كاملة شريفةً منيفة عطوفةً رؤوفة في سائر أقاليم الممالك وعساكرها وجندها وعربها وتركمانها وأكرادها ونوابها وولاتها وأكابرها وأصاغرها ورعاياها ورعاتها وحكامها وقضاتها وسارحها وسانحها بالديار المصرية وثغورها وأقاليمها وبلادها وما احتوت عليه والمملكة الحجازية وما احتوت عليه ومملكة النوبة وما احتوت عليه والفتوحات الصفدية والفتوحات الإسلامية الساحلية وما احتوت عليه والممالك الشامية وحصونها وقلاعها ومدنها وأقاليمها وبلادها والمملكة الحمصية والمملكة الحصنية الأكرادية والجبلية وفتوحاتها والمملكة الحلبية وثغورها وبلادها وما احتوت عليه والمملكة الفراتية وما احتوت عليه وسائر القلاع الإسلامية براً وبحراً وسهلاً ووعراً شاماً ومصراً يمناً وحجازاً شرقاً وغرباً بعداً وقرباً وأن تلقى إليه مقاليد الأمور في هذه الممالك الشريفة وأن تستخلفه سلطنة والده خلد الله دولته لتشاهد منه الأمة في وقت واحدٍ سلطاناً وخليفة ولايةً واستخلافاً تسندهما الرواة وتترنم بهما الحداة وتعيهما الأسماع وتنطق بهما الأفواه تفويضاً يعلن لكافة الأمم ولكل رب سيفٍ وقلم ولكل ذي علم وعلم بما قاله صلى الله عليه وسلم لسميه رضي الله عنه حين أولاه من الفخار ما أولاه‏:‏ ‏"‏ من كنت مولاه فعليٌ مولاه ‏"‏ فلا ملك إقليم إلا وهذا الخطاب يصله ويوصله ولا زعيم جيشٍ إلا وهذا التفويض يسعه ويشمله ولا إقليمٌ إلا وكل من به يقبله ويقبله ويتمثل بين يديه ويمتثله ولا منبرٌ إلا وخطيبه يتلو فرقان هذا التقديم ويرتله‏.‏

وأما الوصايا فقد لقنا ولدنا وولي عهدنا ما انطبع في صفاء ذهنه وسرت تغذيته في نماء غصنه ولا بد من لوامع للتبرك بها في هذا التقليد الشريف تنير وجوامع حيث يصير وودائع ينبئك عنها ولدنا أعزنا الله ببقائه ولا ينبئك مثل خبير‏:‏ فاتق الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وانصر الشرع فإنك إذا نصرته ينصرك الله على أعداء الدين وعداك واقض بالعدل مخاطباً ومكاتباً حتى يستبق إلى الإيعاز به لسانك ويمناك وأمر بالمعروف وانه عن المنكر عالماً أنه ليس يخاطب غداً بين يدي الله عن ذلك سوانا وسواك وانه نفسك عن الهوى حتى لا يراك الله حيث نهاك وحط الرعية ومر النواب بحملهم على القضايا الشرعية وأقم الحدود وجند الجنود وابعثها براً بحراً من الغزو إلى كل مقام محمود واحفظ الثغور ولا حظ الأمور وازدد بالاسترشاد بآرائنا نوراً على نور وأمراء الإسلام الأكابر وزعماؤه فهم بالجهاد والذب عن العباد أصفياء الله وأحباؤه فضاعف لهم الحرمة والإحسان واعلم أن الله اصطفانا على العالمين وإلا فالقوم إخوان لاسيما أولوا السعي الناجح والرأي الراجح ومن إذا فخروا بنسبة صالحية قيل لهم‏:‏ نعم السلف الصالح فشاورهم في الأمر وحاورهم في مهمات الأمور في كل سرٍ وجهر وكذلك غيرهم من أكابر الأمراء الذين هم من تحايا الدول وذخائر الملوك الأول أجرهم في هذا المجرى واشرح لهم بالإحسان صدراً وجيوش الإسلام هم البنان والبنيان فوال إليهم الامتنان واجعل محبتك في قلوبهم بإحسانك إليهم حسنة المربى وطاعتك في عقائدهم قد شغفها حباً‏:‏ ليصبحوا بحسن نظرك إليهم طوعاً وليحصل كل جيش منهم من التقرب إليك وأما غير ذلك من الوصايا فسنخولك منها بما ينشأ معك توءماً ونلقنك من آياتها محكماً فمحكماً و الله تعالى ينمي هلالك حتى يوصله إلى درجة الإبدار ويغذي غصنك حتى نراه قد أينع بأحسن الأزهار وأينع الثمار ويرزقك سعادة سلطاننا الذي نعت بنعته تبركاً ويلهمك الاعتضاد بشيعته والاستنان بسنته حتى تصبح كتمسكنا بذلك متمسكاً ويجعل الرعية بك في أمن وأمان حتى لا تخشى سوءاً ولا تخاف دركاً والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

الوجه السادس فيما يكتب في مستند عهد ولي العهد بالسلطنة وما يكتبه السلطان في بيت العلامة وما يكتب في ذيل العهد أما ما يكتب في مستند العهد وما يكتبه السلطان في بيت العلامة فكغيره من سائر الولايات من التقاليد وغيرها‏:‏ وهو أن يكتب في المستند حسب المرسوم الشريف كما يكتب في المكاتبات التي هي بتلقي كاتب السر على ما تقدم ذكره في بابه ويكتب السلطان في بيت وأما ما يكتب في ذيل العهد وشهادة الشهود على السلطان بالعهد فمثل أن يكتب‏:‏ شهدت على مولانا السلطان الملك الفلاني العاهد المشار إليه فيه خلد الله ملكه أو خلد الله سلطانه وما أشبه ذلك من الدعاء بما نسب إليه فيه من العهد بالسلطنة الشريفة إلى ولده المقام الشريف العالي السلطاني الملكي الفلاني وعلى المعهود إليه أعز الله أنصاره بقبول العهد المذكور وكتب فلان بن فلان‏.‏

الوجه السابع في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به وكيفية كتابته وصورة وضعه في الورق أما قطع ورقه فمقتضى إطلاق المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أن للعهود قطع البغدادي الكامل أنه يكتب في البغدادي أيضاً‏.‏

قلت‏:‏ وهو المناسب لعظمة السلطنة وشماخة قدرها إذ الملك إلى ولي العهد آئل وللدخول تحت أمره صائر خصوصاً إذا كان المعهود إليه ولداً أو أخاً وحينئذ فيكتب بمختصر قلم الطومار لمناسبته له على ما تقدم في غير موضع‏.‏

ثم يكتب في وسطه بقلمٍ دقيق ما صورته الاسم الشريف كما يكتب في التقاليد وغيرها على ما سيأتي ثم يبتدئ بكتابة الطرة بالقلم الذي يكتب به العهد من أول عرض الورق من غير هامش سطوراً متلاصقة إلى آخر الطرة ثم يترك ستة أوصال بياضاً من غير كتابةٍ غير الوصل الذي فيه الطرة ثم يكتب البسملة في أول الوصل الثامن بحيث تلحق أعالي ألفاته بالوصل الذي فوقه بهامش عن يمين الورق بقدر أربعة أصابع أو خمسة مطبوقة ثم يكتب تحت البسملة سطراً من أول العهد ملاصقاً لها ثم يخلي بيت العلامة قدر شبر كما في عهود الملوك عن الخلفاء ثم يكتب السطر الثاني تحت بيت العلامة على سمت السطر الذي تحت البسملة ويسترسل في كتابة بقية العهد إلى آخره ويجعل بين كل سطرين قدر ربع ذراع بذراع القماش فإذا انتهى إلى آخر العهد كتب إن شاء الله تعالى ثم المستند ثم الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والحسبلة على ما تقدم في الفواتح والخواتم ثم يكتب شهود العهد بعد ذلك‏.‏

وهذه صورة وضعه في الورق ممثلاً له بالطرة التي أنشأها لذلك وبالعهد الذي أنشأه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون بالعهد بالسلطنة لولده الملك الصالح علاء الدين علي وهي‏:‏ هذا عهدٌ شريفٌ جليلٌ قدره رفيعٌ ذكره عليٌ فخره متبلجٌ صبحه ضويٌ فجره من السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدنيا والدين بيبرس خلد الله تعالى سلطانه ونصر جيوشه وأعوانه بالسلطنة الشريفة لولده المقام العالي السلطاني الملكي السعيدي بلغه الله تعالى فيه غاية الآمال وحقق فيه للرعية ما يرجونه من مزيد الإفضال‏.‏

على ما شرح فيه بسم الله الرحمن الرحيم هامش الحمد لله الذي شرف سرير الملك منه بعليه وحاط منه بوصية وعضد منصورة‏.‏

بولاية عهد صالحه وأسمى حاتم جوده‏.‏

بمكارم حازها بسبق عديه وأبهج خير‏.‏

الآباء من خير الأبناء بمن سمو أبيه منه بشريف الخلق وأبيه وغذى روضه بمتابعة وسيمه وبمسارعة وليه‏.‏

نحمده على نعمه التي جمعت إلى الزهر الثمر إلى أن يأتي إلى قوله‏:‏ ولا يخاف دركاً ولا اعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه‏.‏

إن شاء الله تعالى كتب في سنة حسب المرسوم الشريف الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل عهود الملوك بالسلطنة للملوك المنفردين بصغار البلدان ويتعلق النظر به من أربعة أوجه الوجه الاول في بيان اصل ذلك واول حدوثه في هذه المملكة الى حين زواله عنها قد تقدم في المكاتبات في الكلام على مكاتبة صاحب حماة أن ذلك مما كان في الدولة الأيوبية ثم في الدولة التركية في الأيام المنصورية قلاوون والأيام الناصرية محمد بن قلاوون ثم بطل ذلك وذلك أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حين استولى على البلاد الشامية مع الديار المصرية بعد موت السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام فرق أقاربه في ولاية الممالك الشامية‏:‏ كدمشق وحلب وحمص وغيرها واستمرت‏.‏

وكان صلاح الدين قد ولى حماة لا بن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب فبقيت بيده حتى توفي سنة سبع وثمانين وخمسمائة فوليها بعد ابنه المنصور ناصر الدين محمدٌ وبقي بها حتى توفي سنة سبع عشرة وستمائة فوليها ابنه الناصر قليج أرسلان فبقي بها إلى أن انتزعها منه أخوه المظفر في سنة ستٍ وعشرين وستمائة وأقام بها إلى أن مات سنة ثلاثٍ وأربعين وستمائة‏.‏

فوليها ابنه المنصور محمد فبقي فيها إلى أن غلب هولاكو ملك التتار على الشام وقتل من به من بقايا الملوك الأيوبية فهرب المنصور إلى مصر وأقام بها إلى أن سار المظفر قطز صاحب مصر إلى الشام وانتزعه من يد التتار وصار الشام مضافاً إلى مملكة الديار المصرية فرد المنصور إلى حماة فبقي بها حتى توفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة فولى المنصور قلاوون ابنه المظفر شادي مكانه وكتب له بها عهداً عنه فبقي بها حتى توفي سنة ثمان وتسعين وستمائةٍ في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية بعد لاجين فولى الملك الناصر قراسنقر أحد أمرائه نائباً فلما استولى غازان ملك التتار على الشام كان العادل كتبغا بعد خلعه من سلطنة الديار المصرية نائباً بصرخد فأظهر في قتال التتار قوةً وجلادة فولاه الملك الناصر حماة وحضر هزيمة التتار مع الملك الناصر سنة اثنتين وسبعمائة ورجع إلى حماة فمات بها فولى الملك الناصر مكانه سيف الدين قبجق نائباً ثم نقله إلى حلب وولى أسندمر كرجي نيابة حماة مكانه‏.‏

ولما رجع السلطان الملك الناصر من الكرك نقل أسندمر كرجي من حماة إلى حلب وولى المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي ابن المظفر عمر مكانه بحماة مكانه سنة ست عشرة وسبعمائة على عادة من تقدمه من الملوك الأيوبية فبقي بها إلى أن توفي سنة ثنتين وثلاثين وسبعمائة فولى الملك الناصر ابنه الأفضل محمداً مكانه فبقي فيها حتى مات الملك الناصر في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة واستقر في السلطنة بعد ابنه المنصور أبو بكر وقام بتدبير دولته الأمير قوصون‏.‏

فكان أول ما أحدث عزل الأفضل بن المؤيد عن حماة وولى مكانه بها الأمير قطز نائباً‏.‏

وسار الأفضل إلى الشام فأقام بها حتى توفي سنة ثنتين وأربعين وسبعمائة وهو آخر من وليها من بني أيوب‏.‏

وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أن سلطانها كان يستقل بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتاب السر وكل الوظائف وتكتب المناشير والتواقيع من جهته‏.‏

ولكنه لا يمضي أمراً كبيراً في مثل إعطاء إمرة أو إعطاء وظيفةٍ كبيرة حتى يشاور صاحب مصر وهو لا يجيبه إلا أن الرأي ما يراه‏.‏

ومن هذا ومثله‏.‏

قال‏:‏ وإن كان سلطاناً حاكماً وملكاً متصرفاً فصاحب مصر هو المتصرف في توليةٍ وعزلٍ من أراد ولاه ومن أراد عزله‏.‏

قلت‏:‏ وكان للملكة بذلك زيادة أبهة وجمال‏:‏ لكون صاحبها تحت يده من هو متصف باسم السلطنة يتصرف فيه بالولاية والعزل‏.‏

على أن هذا القسم لم يتعرض له المقر التقوى بن ناظر الجيش في التثقيف لخلو المملكة الآن عن مثله وإنما أشار إليه المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله في التعريف حيث قال‏:‏ وأما ما يكتب للملوك عن الملوك مثل ولاة العهود والمنفردين بصغار البلدان فإنه لا تستفتح عهودهم إلا بالخطب‏.‏

وذلك أن حماة كانت في زمنه بأيدي بني أيوب على ما تقدم ذكره ولذلك قال في مسالك الأبصار‏:‏ ومما في حدود هذه المملكة من له اسم سلطانٍ حاكمٍ وملكٍ متصرفٍ صاحب حماة‏.‏

الوجه الثاني في بيان ما يكتب في العهد وهو على ضربين الضرب الأول ما يكتب في الطرة وهو تلخيص ما يشتمل علي العهد وهذه نسخته عهد كتب بها المقر الشهابي بن فضل الله عن الملك الناصر محمد بن قلاوون للملك الأفضل محمد ابن المؤيد عماد الدين إسماعيل بسلطنة حماة أيضاً في رابع صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة‏.‏

وهو آخر من ملكها من بني أيوب وهي‏:‏ الحمد لله الذي أقربنا الملك في أهلة أهله وتدارك مصاب ملكٍ لولا ولده الأفضل لم يكن له شبيهٌ في فضله ووهب بنا بيت السلطنة من أبقى البقايا ما يلحق به كل فرع بأصله ويظهر به رونق السيف في نصله‏.‏

نحمده على ما أفاض بمواهبنا من النعم الغزار وأدخل في طاعتنا الشريفة من ملكوك الأقطار وزاد عطايانا فأضحت وهي ممالك وأقاليم وأمصار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أفلح من مات من ملوك الإسلام عليها وحرض بها في الجهاد على الشهادة حتى وصل إليها ومد يده لمبايعتنا على إعلائها فسابقت الثريا ببسط يدها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرف من تسمى باسمه أو مت بالقربى إلى نسبه وصرف في الأرض من تمسك من رعاية الأمة بسببه وأكرم به كريم كل قومٍ وجعل كلمة الفخار كلمةً باقيةً في عقبه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما ناح الحمام لحزنه ثم غنى من طربه وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإننا ولله الحمد ممن نحفظ بإحساننا كل وديعة ونتقبل لمن أقبل من الملوك على سؤال صدقتنا الشريفة كل ذريعة ونتكفل لمن مات على ولائنا بما لو رآه في ولده لسره ما جرى وعلم أن هذا الذي كان يتمنى أن يعيش حتى يبصر هذا اليوم ويرى وكان السلطان الملك المؤيد عماد الدين قدس الله روحه هو بقية بيته الشريف وآخر من حل في ملوكهم ذروة عزه ولم يزل في طاعتنا الشريفة على ما كان من الحسنى عليه ومن المحاسن التي لقي الله بها ونور إيمانه يسعى بين يديه فوهبنا له من المملكة الحموية المحروسة ما كان قد طال عليه سالف الأمد ورسمنا له بها عطيةً باقيةً للوالد والولد فلما قارب انقضاء أجله وأشرف على ما قدمه إلى الله وإلينا من صالح عمله لم يشغله ما به عن مطالعة أبوابنا الشريفة والتذكار بولده وتقاضي صدقاتنا العميمة بما كان ينتظره قمره المنيف لفرقده وورد من جهة ولده المقام الشريف العالي الولدي السلطاني الملكي الأفضلي الناصري أعز الله أنصاره ما أزعج القلوب بمصابه في أبيه وأجرى العيون على من لا نقع له على شيبه فوجدنا من الحزن عليه ما أبكى كل سيفٍ دما وأن كل رمح يقرع سنه ندما وتأسفنا على ملك كاد يكون من الملائك وأخٍ كريم أو أعز من ذلك وسلطانٍ عظيم طالما ظهر شنب بوارقه في ثغور الممالك وقمنا من الحزن في مشاركة أهله بالمندوب ثم قلنا‏:‏ لكم في ولده العوض ولا ينكر لكم الصبر يا آل أيوب‏.‏

فاقتضت مراسمنا المطاعة أن نرقيه إلى مقامنا العالي ونعقد له من ألوية الملك ما تهتز به أطراف العوالي ونركبه من شعار السلطنة بما تتجمل به مواكبه وتمتد به عصائبه وتميس من العجب وتمتد رقابها بالرقبة السلطانية جنائبه تنزيهاً لخواطركم الكريمة علينا عن قول ليت وتنويهاً بقدر بيتكم الذي رفع لكم إسماعيل به قواعد البيت‏:‏ لما نعلمه من المقام العالي الملكي الأفضلي الناصري أمتع الله ببقائه من المناقب التي استحق بها أن يكون له عليكم الملك والعزائم التي قلدت بها من الممالك ما تجول بها الجياد وتجري به الفلك مع ماله من الكرم الذي هو أوفى من العهاد بعهده والفضل الذي اتصل به ميراث الأفضلية عن جده والجود الذي جرى البحر معه فاحمرت من الخجل صفحة خده والوصف الذي لم يرض بالجوزاء واسطةً لعقده والعدل الذي أشبه فيه أباه فما ظلم والعلم الذي ما خلا به بابه من طلب‏:‏ إما لهدًى وإما لكرم ولم يخرج من كفالة والده إلا إلى كفالتنا التي أظلته بسحبها وحلت سماء مملكته بشهبها وخاطبناه كما كنا نخاطب والده رحمه الله بالمقام الشريف وأجريناه في ألقابه مجرى الولد زيادةً له في التشريف وصرفنا أمره لك ما كان لملوك أهله فيه تصريف وسنرشده إلى أوضح طريقة ويقوم مقام أبيه أو ليس الناصر هو أبو الأفضل حقيقة ورسمنا بطلبه إلى ما بين أيدينا الشريف لنجدد له في نظرنا الشريف ما يتضاعف به سعوده ويزداد صعوده ويتماثل في هذا البيت الشاهنشاهي أبناؤه وآباؤه وجدوده‏:‏ لتعمل معه صدقاتنا الشريفة ما هو به جدير وترفعه إلى أعز مكانٍ من صهوة المنبر والسرير وتكاثر به كل سلطان وما هو إلا جحفلٌ يسير لتشيد به أركان هذا البيت الكريم وتحيا عظامه وهي في اللحود عظمٌ رميم وتعرف الناس أن عنايتنا الشريفة بهم تزيد على ما عهدوه لجدهم القديم من سمينا الملك الناصر القديم فخرجت المراسيم الشريفة العالية المولوية السلطانية الملكية الناصرية‏:‏ لازالت الملوك تتقلد مننها في أعناقها ولا برحت الممالك من بعض مواهبها وإطلاقها أن يقلد هذا السلطان الملك الأفضل أدام الله نصره من المملكة الحموية وبلادها وأمرائها وأجنادها وعربها وتركمانها وأكرادها وقضاياها وقضاتها ورعاياها ورعاتها وأهل حواضرها وبواديها وعمرانها وبراريها جميع ما كان والده رحمه الله يتقلده وبسيفه وقلمه يجريه ويجرده‏:‏ من كل قليل وكثير وجليلٍ وحقير وفي كل مأمورٍ به وأمير يتصرف في ذلك جميعه ويقطع إقطاعاتها بمناشيره ويولي وظائفها بتواقيعه وينظر فيها وفي أهلها بما يعلم أن له ولهم فيه صلاحاً ويقيم من هيبة سلطانه ما يغنيه أن يعمل أسنةً ويجرد صفاحاً‏.‏

وليحكم فيها وفي من فيها بعدله ويجمع قلوب أهلها على ولائه كما كانوا عليه لأبيه من قبله وليكن هو وجنوده وعساكره أقرب في النهوض إلى مصالح الإسلام من رجع نفسه وأمضى في العزائم مما يشتبه بها من سيفه وقبسه‏.‏

وأما بقية ما يملى من الوصايا أو يدل عليه من كرم السجايا فهو بحمد الله تعالى غريزةٌ في طباعه ممتزجٌ به من زمان رضاعه وإنما نذكره ببعض ما به يتبرك ونحضه على اتباع أبيه فإنها الغاية التي لا تدرك والشرع الشريف أهم ما يشغل به جميع أوقاته وتقوى الله فما ينتصر الملك إلا بتقاته والفكرة في مصالح البلاد والرعايا فإنها مادة نفقاته واستكثار الجنود فإنهم حصنه المنيع في ملاقاته ومبادرة كل مهم في أول ميقاته وولايات الأعمال لا يعتمد فيها إلا على ثقاته وإقامة الحدود التي لا ينصت في تركها إلى رقي رقاته ورعاية من له على سلفه خدمةٌ سابقة واستجلاب الأدعية الصالحة لنا وله فإنها للسهام مسابقة وليمض في الأمور عزمه فإنه مذرب ويبسط العدل والإحسان فإنه بهما إلينا يتقرب وليأخذ بقلوب الرعايا فإنها تتقلب وسيكرم وفادة الوفود ليقف بهم لنجاح مقاصدهم على بابٍ صحيح مجرب وليجتهد في الجهاد ويتيقظ والسيف مكتحل الجفن بالرقاد ويهتم فإن الهمم العالية تقوم بها عوالي الصعاد ويقوم البريد فإن في تقويمه بقاء الملك وعمارة البلاد وليقف عند مراسمنا الشريفة لتهديه إلى سبيل الرشاد ويحسن سلوكه ليطرب بذكره كل أحد ويترنم كل حاد وغير هذا من كل ما عهدنا والده سقى الله عهده له سالكاً ولأزمة أموره الجميلة مالكاً مما لا يحتاج مما نعرفه من سيرته المثلى إلى شرحه ولا يدل نهاره الساطع على صباحة صبحه وليبشر بما جعل له من فضلنا العميم ويتمسك بوعدنا الشريف أن هذه المملكة له ولأبنائه وأبناء أبنائه ما وجد كفءٌ من نسبهم الصميم و الله تعالى يمدك أيها الملك الفاضل بأفضل مزيده ويحفظ بك ما أبقاه لك أبوك المؤيد من تأييده والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

فيما يكتب في المستند عن السلطان في هذا العهد وما يكتبه السلطان في بيت العلامة والحكم في ذلك على ما مر في عهود أولياء العهد بالسلطنة‏:‏ وهو أن يكتب في مستند العهد حسب المرسوم الشريف كما في غيره من الولايات ويكتب السلطان في بيت العلامة اسمه من غير زيادة‏.‏

قلت‏:‏ ولا يكتب فيه شهادةٌ على السلطان كما يكتب في عهود أولياء العهد بالسلطنة‏:‏ لأن العهد بالسلطنة العظمى شبيهٌ بالبيعة والشهادة فيها مطلوبةٌ للخروج من الخلاف على ما تقدم في موضعه والعهد بولاية سلطنة بعض الأقاليم شبيهٌ بالتقليد والشهادة في التقاليد غير مطلوبة وذلك أن السلطنة لا تنتهي إلى ولي العهد إلا بعد موت العاهد وربما جحد بعض الناس العهد إليه وولاية بعض البلدان إنما تكون والسلطان المولي منتصبٌ فلا يؤثر الجحود فيها‏.‏

الوجه الرابع في قطع ورق هذا العهد وقلمه الذي يكتب به وكيفية الكتابة وصورة وضعها في الورق أما قطع الورق فمقتضى عموم قول المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف إن للعهود قطع البغدادي الكامل أن يكتب في قطع البغدادي أيضاً‏.‏

قلت‏:‏ والذي يقتضيه القياس أن تكون كتابته في الورق البغدادي لمعنى السلطنة ولكن في قطعٍ دون القطع الكامل‏:‏ لنقصان رتبة هذه السلطنة عن السلطنة العظمى ألا ترى مكاتبة صاحب مملكة إيران كانت في زمن القان أبي سعيد تكتب في قطع البغدادي الكامل كما ذكره في التعريف وغيره ومكاتبة صاحب مملكة بيت بركة المعروفة بمملكة أزبك من مملكة توران تكتب له في قطع البغدادي بنقص أربعة أصابع مطبوقة كما ذكره في التثقيف لانحطاط رتبته عن رتبة القان أبي سعيد على ما تقدم ذكره في المكاتبات‏.‏

وأما قلمه الذي يكتب به فينبغي إن كتب بقطع البغدادي الكامل أن يكون بمختصر قلم الطومار كما في غيره من العهود التي تكتب في القطع الكامل‏.‏

وإن كتب في دون الكامل فينبغي أن يكون القلم دون ذلك بقليل‏.‏

وأما صورة وضعه في الورق فعلى ما مر في عهود أولياء العهد بالسلطنة من غير فرق‏:‏ وهو أن يكتب في رأس الدرج بقلمٍ دقيقٍ الاسم الشريف ثم يبتديء بكتابة الطرة في عرض الورق من غير هامش سطوراً متلاصقةً إلى آخر الطرة ثم يخلي ستة أوصال بياضاً ثم يكتب البسملة في أول الوصل الثامن بهامش قدر أربعة أصابع أو خمسةٍ مطبوقة ثم يكتب سطراً من أول العهد ملاصقاً للبسملة ثم يخلي بيت العلامة قدر شبر على ما تقدم ويكتب السطر الثاني على سمت السطر الذي تحت البسملة ثم يسترسل في كتابة بقية العهد إلى آخره ويكون بين كل سطرين قدر ربع ذراع على قاعدة العهود‏.‏

فإذا انتهى إلى آخر العهد كتب إن شاء الله تعالى ثم التاريخ ثم المستند ثم الحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الحسبلة‏.‏

وتكون كتابته من غير نقط ولا شكل كسائر العهود‏.‏

قلت‏:‏ ولو وسع ما بين سطوره ونقطت حروفه وشكلت‏:‏ لما فيه من معنى التقاليد لكان به أليق‏.‏

وهذه صورة وضعه في الورق ممثلاً بالطرة التي أنشأتها في معنى ذلك والعهد الذي أنشأه المقر الشهابي بن فضل الله الملك الأفضل محمد بن الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل آخر ملوك بني أيوب بها وهي‏:‏ هذا عهدٌ شريفٌ عذبت موارده وحسنت بحسن النية فيه مقاصده وعاد على البرية باليمن عائده‏.‏

من السلطان الأعظم ناصر الدنيا والدين الملك الناصر أبي الفتح محمد ابن السلطان الشهيد قلاوون خلد الله تعالى ملكه وجعل الأرض بأسرها ملكه للمقام الشريف العالي السلطاني الملكي الأفضلي محمد ابن المقام العالي المؤيدي إسماعيل أعز الله تعالى أنصاره وأحمد آثاره بالسلطنة الشريفة بحماة المحروسة وأعمالها على أكمل العوائد وأتمها وأجمل القواعد وأعمها على ما شرح فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هامش الحمد لله الذي أقربنا الملك في أهلة أهله وتدارك مصاب ملك لولا ولده الأفضل لم‏.‏

يكن لهم شبيهٌ في فضله ووهب بنا بيت السلطنة من أبقى البقايا من يلحق به كل‏.‏

فرع بأصله ويظهر به رونق السيف في نصله‏.‏

إلى أن يأتي إلى قوله في آخره‏:‏ والله تعالى يمدك أيها الملك الأفضل بأفضل مزيده ويحفظ بك ما أبقاه لك أبوك الملك‏.‏

المؤيد من تأييده والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه‏.‏

إن شاء الله تعالى هامش كتب في سنة حسب المرسوم الشريف الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه